أقرأ في مختارات للشاعر الانكليزي تيد هيوز (1930-1997). والشاعر هيوز مثارُ جدلٍ بين محب ومُبغض، وبين مُعجب ومُنكر. تزوج من الشاعرة الأميركية سِلفيا بلاث عام 1956، حتى انتحارها عام 1963.

Ad

 توقفتُ عند إحدى القصائد لعلة ما، وصرت أترجمها على هامش الكتاب ترجمة حرفية، كما هي عادتي في أحيان كثيرة. الطبيعة الجهمة حاضرة في القصيدة، شأن معظم شعر هيوز. وكذلك إرادة الانسان التي لا تُقهر. ولكن اللافت في القصيدة أنها تعرض لمشهد لاعبي كرة قدم في حقل طلق، وتحت سماء ملبّدة بالغيوم، وممطرة. ولم يُعرف عن هيوز، عبر سيرته، حماسٌ تجاه هذه اللعبة. ثم أني، وكعادتي أيضاً في تتبع القصيدة بين يدي النقاد، واجتهادات "التحليل" الشعري، الذي تتعرض له كل قصيدة إنكليزية تقريباً، حتى في الكتب المدرسية (وهذا أمر لابد يثير ذعر الناقد العربي المخمور بنظريات ما بعد الحداثة)، فهمت شيئاً من أسرارها. فاللاعبون في سهل بين وديان، وفيهم نشوةٌ ومسرات وهم يلاحقون الكرة، بالرغم من عبوس الطبيعة ومطرها، وهو أمرٌ يخلّف انطباعاً إيجابياً لدى القارئ. ولكن هناك دافع خفي لكتابة قصيدة كهذه لدى هيوز. أحد النقاد يشير إلى أن الحربين العالميتين كانتا منطلقاً مركزياً لتطور هيوز كشاعر. وهذا يقترح أن ثمة ظلالاً من مأساة الحرب في هذه القصيدة. فالأرض الموحلة، واللاعبون المنقوعون بالماء، وهم يثبون، وعلى دراجاتهم الهوائية، ويحلقون في الأفق، ليسوا إلا جنوداً موتى يُبعثون أحياء، وينتشرون بفعل "رياحٍ من ثقوب نارية في السماء،"، مُضاءة من قبل "محرقة ذهبية"، تلك التي "ترفع حافة السحب، لتتفرج عليهم".

كرة قدم

بين الوديانِ الغارقة، على ظهر التل العاري

رجالٌ بألوان الرايات

 يثبون، وتثبُ كرتُهم اللاهثة.

الكرةُ المنتفخة تقفز، والرجال بالألوان البهيجة،

وكماءِ الصنبور، يتدفّقون لنطحها.

الكرةُ تندفع بعيداً مع اتجاه الريح ـــــ

وعلى أثرها يثبُ الرجال المطاط.   

الكرةُ تقفز عالياً وخارجاً وتعلَقُ في الريح

فوق خليج من رؤوس الأشجار.

حينها يهتف الجميع معاً، فترتدُّ الكرةُ المنتفخةُ عائدةً.

رياحٌ من ثقوبٍ ناريةٍ في السماء،

تتزاحمُ على التلال وتنشر حولهن العتمة

لإثارة الفزع. الضوءُ المتوهج

خلطَ زيوتَه المجنونةَ وأشاع الكآبة.  

حينها حنى المطرُ صحفَ السحاب/ الصلب.

وبشَعرٍ ملتصق ببعض، خوّض الجميعُ في الماء

إلى بركة لامعة. وصراخهم ارتفع عالياً

أقبل ناعماً ورقيقاً، مغسولاً وسعيداً

بينما العالم الأحدب غرق متعثراً

والوديان ازرقّت بصورة لا يمكن تصورها

تحت مُنخفضٍ أطلنطي ــــ    

ولكن ذوي الأجنحة قفزوا، وبدراجاتهم حلقوا في الهواء

حارس المرمى طاف أفقياً

ومرة ثانية رفعت المحرقةُ الذهبية

حافةَ السحب، للتفرج عليهم.

Ted Hughes (1977)