عدو أطفالنا الخفي

نشر في 16-09-2015
آخر تحديث 16-09-2015 | 00:01
 طالب الرفاعي لا أعلم كم من أطفال الوطن العربي سيكونون محظوظين بأن تُتاح لهم الفرصة لبدء عامٍ دراسي جديد. فوطننا العربي، يعيش فترة تكاد تكون واحدة من أعصب الفترات التي مرّت به في التاريخ الحديث. وجليٌّ لكل ذي فكر أن حدثاً خطيراً ينتظر منطقتنا. وإذا كانت معاهدة "سايس- بيكو" 1916، هي اتفاق سري عُقد بين بريطانيا وفرنسا بموافقة روسيا القيصرية لتقسيم بلدان مشرقنا العربي، باستثناء جزيرة العرب، بين بريطانيا وفرنسا، فإن ما يجري حالياً يُنبِئ بأن بلداننا العربية، التي قُسمت ووزعت عام 1916، ربما كانت مُقبلة على تقسيم وتوزيع جديدين، قد يكون تأثيرهما ماحقاً على شعوب المنطقة.

في ظل هذه المعطيات، ونظراً لوجود قرابة أربعة ملايين طفل عربي خارج أسوار المدارس، فإن الإشارة إلى بدء عام دراسي، بقدر ما تبدو متفائلة ومفرِحة لبعض الأهالي، بالقدر نفسه تبدو مؤلمة وقاسية على قلوب الكثيرين، لأن عدداً كبيراً من أطفال الوطن العربي يعيش هائماً على وجهه يبحث عن مأوى، بينما يموت عددٌ آخر، ويُحرم عدد ثالث، والمتبقي وحده يُكتب له البدء بعام دراسي جديد.

نعم، في القرن الواحد والعشرين، صارت متطلبات الحياة البسيطة من سكن ومأكل وشيء من الأمان هي حلم الإنسان العربي. تقلصت أحلامنا، حتى صار العيش العاري حلماً، وغدت اللقمة التي تسدّ الرمق حلماً، وأصبح إرسال أطفالنا للمدارس ترفاً لا يناله إلا المحظوظون! لذا نقول مبروك لكل طفل عربي كُتب له الفوز بالبدء بعام دراسي جديد.

إن وقوفاً مؤلماً أمام واقعنا العربي الموجع، يجب ألا يشغلنا عن النظر إلى حياة الآخر. الآخر الغربي والأميركي، والآخر في شرق آسيا، والآخر في أميركا اللاتينية. فهناك التقنية الفكرية والعلمية والسلوكية تقفز قفزات هائلة، وهناك أنظمة التعليم تخضع لمراجعات أصبحت دائمة، وهناك يرون ألا سبيل لحياة مستقرة آمنة إلا بمواكبة الأطفال لمكتشفات العلم، وتربيتهم على حياة متغيرة، متصلة ومتواصلة مع الآخر. وهذا يجعل كل من يطّلع على تقارير منظمة "اليونسكو" بخصوص تطور التعليم الغربي، يشعر بالغصة والحزن لما يُدرَّس في مدارسنا. وسأكون أكثر تحديداً، يكفي لأي ولي أمر في الكويت على سبيل المثال، عقد مقارنة بسيطة جداً جداً، بين نظام التعليم المدرسي في المدارس الحكومية، وبين نظام التعليم في المدارس الأجنبية. ولن يكلفه ذلك أكثر من الوقوف أمام أي مدرسة أجنبية ليرى الفرق الشاسع، وإذا ما مشى قليلاً ليدخل إلى المدرسة، فسيُصاب بصدمة كبيرة وهو يرى الطلاب والمدرسين والمناهج وطرق التدريس، ويرى طبيعة علاقة الطلاب بعضهم ببعض، وعلاقتهم بالهيئة التدريسية. نعم، أقول هذا وكلي أسف وأسى، لكني قريب من التعليم الأجنبي منذ عام 1985، بحكم وجود أبنائي في تلك المدارس، وبحكم قربي من كتب المناهج المدرسية الحكومية.

إن إجماعاً عالمياً وإنسانياً يشير إلى أن الأجهزة الذكية، وتحديداً أجهزة الهواتف وأجهزة "الآي باد" هي الأخطر على أطفالنا. فهي قادرة بفنية عالية على سلب عقولهم بسبب المتع والألعاب التي تقدمها إليهم، وهي قادرة على السيطرة على أفكارهم بما تقدم من أفلام وصور وشخصيات إعلامية معروفة، وهي أخيراً قادرة على أخذهم من كل حضن ورميهم في عوالمها العامرة والباهرة والمخيفة.

دعوة من القلب: "أيتها الأمهات، أيها الآباء، الهواتف الذكية والآي باد" مقتل لأطفالكم، ومؤكد أن استخدامها يحتاج إلى تقنين صارم منكم." وتشير الدراسات السلوكية للأطفال إلى أن أفضل الطرق للتعامل مع هذه الأجهزة، هو أن تتاح للطفل بمعدل ساعة إلى ساعتين يومياً، بعد عودته من المدرسة.

لأطفالنا وأطفال العالم أجمع، وحيثما كانوا، محبة حلمٍ مشروع بغدٍ أفضل.

back to top