ماذا بعد الصفقة مع إيران؟

نشر في 24-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 24-07-2015 | 00:01
يشكل الاتفاق النووي انتصاراً بالنسبة إلى الرئيسين أوباما وروحاني، اللذين علقا مكانتهما السياسية عليه، ولا شك أن روحاني سيسعى الآن إلى تمرير إصلاحات اقتصادية، وسياسية، واجتماعية عقب التوصل إلى هذا الاتفاق بغية تعزيز فرص إعادة انتخابه عام 2017، كذلك قد يحاول أوباما توطيد إرثه بالبناء على هذا الاتفاق.
 ريل كلير جرت الموافقة على رفع العقوبات الاقتصادية والتخفيف تدريجياً من الحصار على الأسلحة الذي طالبت به إيران، فضلاً عن الحد من تطور بنية إيران النووية وفرض تدابير التفتيش في المواقع النووية، كما طلبت مجموعة (5+1). هذا ما سيكون عليه الوضع على الأقل طالما أن خطة العمل الشاملة المشتركة التي أُعلن عنها أخيراً في فيينا ما زالت سارية المفعول، صحيح أن هذا الاتفاق لا يفرض على إيران للأسف الرجوع عن دعواتها لتدمير الولايات المتحدة وإسرائيل، إلا أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران بسبب انتهاكاتها في مجال الإرهاب وحقوق الإنسان ستستمر.

ولكن وراء الأوجه التقنية الدقيقة، تحمل هذه الصفقة تداعيات كبيرة، محتملة، ودائمة، فرغم العقوبات الأميركية التي بدأت عام 1987، فضلاً عن عقوبات الأمم المتحدة التي بدأت عام 2006، يحتل الاقتصادي الإيراني المرتبة التاسعة والعشرين في العالم، كذلك نجح علماء إيران في "تطويع" التكنولوجيا الضرورية لتوليد الطاقة النووية على "نطاق صناعي"، حسبما تفاخر الرئيس حسن روحاني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2013، بالإضافة إلى ذلك، ازدادت قدرتها على تخصيب اليورانيوم كثيراً، فبينما كان وزير الخارجية محمد جواد ظريف يخوض المحادثات الأخيرة، كتب بحماسة: "في بداية هذه الأزمة كانت إيران تملك أقل من مئتي جهاز طرد مركزي، أما اليوم، فقد وصل عددها إلى 20 ألفاً"، وأقر وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر بصراحة في شهر أبريل أن "القنابل قد تؤخر برنامج إيران النووي لبعض الوقت، إلا أن العمل العسكري خطوة لا يمكن الرجوع عنها"، ونتيجة لذلك بدت الصفقة "أفضل الخيارات حتى اليوم" بالنسبة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما وغيره من قادة العالم.

لكن علامات التحذير بشأن ما إذا كانت هذه صفقة جيدة ولمن، وما إذا كان من الممكن تطبيقها على الأمد الطويل، مبررة، ولا شك أن بإمكان إيران اللجوء إلى الخداع، ومن المنطقي التساؤل عما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على إعادة فرض العقوبات وتدمير المواقع النووية المشتبه فيها، إن انهارت هذه الصفقة، لكن دولة إيرانية نووية لا مفر منها على الأمد الطويل، لأن هذه القدرة تتلاءم مع طموحات هذا البلد الدولية.

أمل ومعارضة

رغم ذلك نلاحظ أن العالم تنفس الصعداء لأن إيران وافقت على تجميد سعيها وراء الطاقة الذرية، ونتيجة لذلك يصعب على الكونغرس الأميركي والمجالس الإيرانية رفض هذه الصفقة، رغم أن كلتا الهيئتين التشريعيتين فعّلت تشريعات إشراف: تشريعات يستطيع رئيسا كلا البلدين تجاوزها، وتعمل إدارتا أوباما وروحاني بدأب على الحد من معارضي هذا الاتفاق في الداخل والخارج. نتيجة لذلك، من المستبعد أن تسود معارضة هذا الاتفاق التي أعرب عنها عدد من القادة من حلفاء الولايات المتحدة، مثل المملكة العربية السعودية وإسرائيل، اللتين تشكلان عدوين لإيران.

علاوة على ذلك، تخشى المملكة العربية السعودية أن تستعيد إيران في النهاية حظوتها في نظر الأميركيين، التي كانت تتمتع بها قبل عام 1979، صحيح أن معظم السياسيين الإيرانيين يرفضون تحالفاً مماثلاً، إلا أنهم يفرحون بفكرة أن تستعيد إيران تفوقها الإقليمي، أما بالنسبة إلى واشنطن فيساهم لجوؤها إلى ورقة موالية لإيران في حمل السعودية على الالتزام أكثر بسياسات الولايات المتحدة المناهضة للإرهاب وخطط السلام في الشرق الأوسط، ولكن مع استعادة اقتصاد إيران نشاطه سينجح  في التفوق على اقتصاد المملكة العربية السعودية بصفته الأكبر والأكثر تنوعاً في المنطقة.

الفائزون الأكيدون والمحتملون

سيتهافت المستثمرون الأجانب على وكالات الدولة الإيرانية التي ينقصها المال، والمتحمسة للحصول على التمويل والتكنولوجيا كي تطلق من جديد عمليات استخراجها النفط (تملك إيران رابع أكبر احتياطي مثبت في العالم)، الغاز (ثاني أكبر احتياطي مثبت في العالم)، ومعادن الأرض النادرة (7% من احتياطي العالم المثبت)، وبعد سنوات من المساهمات المحدودة في سلسلة إمدادات الطاقة في العالم، قد تعاود إيران الظهور كمزود رئيس دائم للاتحاد الأوروبي والصين، فبخلاف المزودين الآخرين في الشرق الأوسط، مثل المملكة العربية السعودية، لا تواجه إيران خطر غرق مجتمعها في الفوضى بسبب الأصولية الإسلامية، مما يؤدي بالتالي إلى دخول الأمم المتعطشة للطاقة في حالة من الركود، لكن الأكثر إثارة للجدل نية إيران تصدير "يورانيوم مخصب وماء ثقيل" إلى دول أخرى لأغراض مدنية، حسبما ذكر علي أكبر صالحي الذي يرأس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية.

حتى حرس الثورة الإيراني، الذي تحول بتعزيزه تفويضه العسكري إلى تكتل صناعي كبير في إيران تبلغ قيمته نحو 150 مليار دولار، قد يجني فوائد مالية كبيرة من تعاونه مع الشركات الغربية، ولا شك أن شراكات مماثلة سترسخ نفوذ هذا الحرس ليس داخل إيران فحسب، بل خارجها أيضاً، محولةً هذا النفوذ على الأرجح إلى شركة متعددة الجنسيات، كذلك قد تنمو قدرة حرس الثورة الإيراني على العمل كعميل عالمي في مجال الإرهاب، ولا يعود ذلك إلى المال الإضافي الذي تؤمنه التعاملات التجارية الأوسع فحسب، بل أيضاً إلى سوء اسغلال مليارات الدولارات من أموال إيران التي ستُحرَّر بموجب صفقة تجميد البرنامج النووي، ولكن مع تنامي اعتماد حرس الثورة الإيراني على الاستثمارات والشركات الدولية، قد يبدّي مسؤولوه وأعضاؤه بحكمة التعاون على الأعمال العدائية والغنى على الأسلحة النووية.

سوق مبيعات مربحة

نظراً إلى عقود من كبح طلب المستهلكين، ستتحول إيران بعد العقوبات إلى سوق ناشئة كبيرة بالنسبة إلى المصدرين الأجانب الذين يهتمون بأسواق الترف والرفاهية، مثل الملابس الفاخرة، والسيارات السريعة، وأحدث التقنيات في عالم الجراحة التجميلية، كذلك سيقع المزودون الأجانب على سوق مبيعات مربحة في قطاعات الأدوية، وتكنولوجيا المعلومات، والطيران التي تعاني الكثير راهناً (يبلغ متوسط عمر الطائرات 35 سنة، في حين تعود معدات المطارات إلى سبعينيات القرن الماضي). وسيزدهر أيضاً التعاون الثقافي والتعليمي مع الجامعات الأميركية والأوروبية (كما نرى راهناً في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية) استجابةً لحاجات الشباب الإيراني الموهوب والمعزول.

من الممكن أن نشهد أيضاً تبدلاً آخر على القدر ذاته من الأهمية، إذ يأمل الإيرانيون ذوو التوجهات الليبرالية، وخصوصاً مَن لم يبلغوا بعد سن الثلاثين ولا يتذكرون ثورة 1979 ومشاعرها المناهضة للغرب، أن يحفز الاحتكاك المتنامي مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التغيير الاجتماعي والسياسي بعيداً عن الثيوقراطية والتوتاليتارية. حاول الإيرانيون عام 2009 تحويل حكومتهم إلى حكومة أكثر ديمقراطية وأقل تأثراً بالدين، ومع تراجع العقوبات وتنامي التفاعل، سيواجه النظام صعوبة أكبر في الحد من تدفق الناس، والأفكار، والمعلومات، أو في صوغ هذا التدفق بطريقة يُفترض بها دعم الثيوقراطية، ففي حين كان الرئيس روحاني يسعى إلى عقد صفقة نووية في الخارج، تحدث علانية عن الحاجة إلى حريات شخصية ومدنية في إيران، وقد غرّد أخيراً ذاكراً أنه يتوقع أن "يعاود الشباب الحلم بمستقبل أكثر إشراقاً".

انتصار للرئاسة

يشكل الاتفاق النووي انتصاراً أيضاً بالنسبة إلى الرئيسين أوباما وروحاني، اللذين علقا مكانتهما السياسية عليه، ولا شك أن روحاني سيسعى الآن إلى تمرير إصلاحات اقتصادية، وسياسية، واجتماعية عقب التوصل إلى هذا الاتفاق بغية تعزيز فرص إعادة انتخابه عام 2017، كذلك قد يحاول أوباما توطيد إرثه بالبناء على هذا الاتفاق، فقد دعا روحاني أوباما للتعاون مع إيران في حل المسائل الإقليمية مثل سحق "داعش" وإنهاء الحرب الأهلية السورية، وقد يقبل الرئيس الأميركي هذه الدعوة، مع أن هذا سيسبب الأسى لآخرين.

قد يميل الرئيس أوباما أيضاً إلى تكرار مغامرته الدبلوماسية في كوبا بالسعي إلى إعادة إرساء علاقات كاملة مع إيران، فقد أكّد أخيراً آية الله أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي تبوأ مرتين سدة الرئاسة ويرأس راهناً مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني: "ليس مستحيلاً أن تعاود السفارة الأميركية فتح أبوابها في طهران، مع أن هذه الخطوة تعتمد على سلوك كلا الطرفين"، ولنتذكر أن الرئيس أوباما أعلن بكل وضوح خلال خطابه في القاهرة في شهر يونيو عام 2009: "أوضحتُ لقادة إيران وشعبها أن بلدي مستعد للمضي قدماً".

* جمشيد تشوكسي

back to top