بمقدور المخرج أن يُسهب في الحديث عن فيلمه، والإشارة إلى الإيجابيات الكثيرة التي غابت عن فطنة الناقد، ولم تلفت انتباه الجمهور، لكن ما ينبغي الاتفاق عليه بين جميع الأطراف، أنه في اللحظة التي تُطرح فيها نسخ الفيلم في القاعات يصبح العمل السينمائي ملكاً للمتلقي يفهمه حسبما يشاء، وله الحرية في أن يحبه أو يكرهه، ومهما كانت التبريرات التي يسوقها المخرج فإن شيئاً لن يُغير بوصلة مشاعر الجمهور، الذي سيكون حكمه نهائياً.

Ad

 مقدمة تنطبق تماماً على فيلم «سعيكم مشكور يابرو»، الذي يُحسب لكاتبه ومخرجه عادل أديب تنويهه إلى أنه مأخوذ عن الفيلم الأميركي Death at Funeral {موت في جنازة»، الذي أنتج في العام 2007 من إخراج فرانك أوز، ومرة أخرى في العام 2010 من إخراج نيل لابوت. وفي المرتين، كتب القصة والسيناريو دين كريج. لكن في ما عدا هذا الاعتراف، لا يمكن معرفة حقيقة الأسباب التي دعت أديب إلى تمصير الفيلم الأميركي، ابتداء من تفصيلة الجثة الخطأ للأب، مروراً بالجد المُلقى في دار المسنين، وكراهية الأم لزوجة ابنها، والشاب مدمن العقاقير – في الفيلم الأميركي صيدلي – الذي تتسبب أقراصه في قلب المكان رأساً على عقب، والشقيق الذي استقل الدرجة الأولى بالطائرة، وهو مشهد لا لزوم له، وحوار منقول بالنص من الفيلم الأميركي ما يعكس فقر القاموس الذي يملكه «أديب»، وترحيب الإنتاج بدعم التجربة كونها لا تحتاج إلى موازنة ضخمة، حيث تدور الأحداث بالكامل في فيلا آل طاز، التي يجري فيها تقبل العزاء، ويُفترض أنها تجمع بين الشخصيات متناقضة الطباع والميول والأهواء، التي تلتقي بعضها البعض للمرة الأولى أو بعد غياب، ومن ثم تحدث المواجهات التي تفجر المواقف الكوميدية أو التي كان ينبغي أن تكون كذلك. لكن شيئاً من هذا لم يحدث على الإطلاق، نظراً إلى الأداء السيئ لبعض الممثلين (أحمد خليل وطارق التلمساني) واختيار ممثلات اقتربن من بعضهن البعض من حيث الشكل والأداء والقوام (دارين حداد، دانا حمدان وياسمين كساب)، فاختلط الأمر على المشاهد الذي استغرق وقتاً طويلاً في التفريق بينهن، بينما حفل أداء الوجوه الشابة الجديدة (جورج فايز،أدهم زيدان،إسلام محمد وهاني سلامة) بكثير من المبالغة التي يُسئل عنها المخرج، وأفلت منها بأعجوبة الممثل الشاب مصطفى أبو سريع وجلال الذكي بينما جاء أداء هالة سرور وسارة إبراهيم مقنعاً، وكانت دارين جريئة، وتمردت نور قدري على الصورة النمطية التي اعتادتها في أدوارها السابقة.

 كعادة أفلام كثيرة في الآونة الأخيرة، يلعب فيلم «سعيكم مشكور يابرو» على الوحدة الزمانية (الليلة التي تعقب الدفن) والوحدة المكانية (فيلا العائلة التي تشهد تقديم واجب العزاء)، لكنه يتأرجح بين استنساخ الفيلم الأميركي ومحاولة العثور على صيغة مصرية خاصة، فعقاقير الهلوسة تكاد تتحول في النسخة المصرية إلى مُهيج جنسي يُحيل المأتم إلى ساحة من السعار الجنسي الذي يُصيب الجميع، والعلاقة بين الأرملة ذات الأصول التركية «جولبهار أوغلو» (دينا) وابن زوجها «حسن» (جلال الذكي) تكاد توحي بأن ثمة زنى محارم بينهما، و{صافي» (دانا حمدان) تسعى إلى استثارة زوجها «كريم» (مصطفى أبو سريع) جنسياً بحجة أنها الليلة المواتية للتخصيب، وشقيق الأرملة «حشمت أوغلو» (طارق التلمساني) يتهم الجميع بمناسبة ومن دون مناسبة بأنهم منحرفون – جنسياً طبعاً - بينما ابنته «فريدة» (دارين حداد) تشق عصا الطاعة، وتتشبث بالزواج من «طارق» (جورج فايز) كونها حاملاً منه، وثمة الخادمة السادية (ياسمين كساب) والمراهقة الانتهازية (سارة إبراهيم) التي تبتز المتصابين من الرجال وابنة الطبقة الشعبية (هالة سرور) التي تهدد العائلة بالفضيحة إذا لم تحصل على ثمن بيعها جسدها للمرحوم، ومشروعات الداعية تحمل اختصاراً لسُباب شائع «ع بوكو»!

أزمة فيلم «سعيكم مشكور يابرو» في عجزه عن مجاراة الأصل الأميركي، وسعيه إلى تعويض المشاهد الجريئة دينياً، كمشهد سقوط الجثة من التابوت في الفيلم الأميركي، بمشاهد جنسية وقحة، كمشهد ثمرة العنب في صدر الأرملة، لكنه يتذكر سطوة المجتمع، غضبه، فيعود إلى قواعده وأغلاله، وفي لحظة هذيان يتصور أن الحل في ابتزاز المشاعر، فيفتعل خطاً ملفقاً للداعية (بيومي فؤاد) الذي يتاجر بالدين والدنيا، ويُغرر بشرائح عدة في المجتمع؛ مثل «أم أيمن» (نور قدري) التي تتخفى وراء النقاب لتنفذ مخططاُ إرهابياً بينما هي تُمارس «جهاد نكاح» جديداً، بمحادثاتها الهاتفية الجنسية مع الشباب مقابل «كروت الشحن»، لكنه خط بائس قدم شخصيات دخيلة لا وجود لها في الأصل الأميركي بالطبع، لكن عادل أديب تصور أنها ستُعلي من قيمة الفيلم، وتُضفي عليه أهمية سياسية... لكن هيهات!