«غازبروم» الروسية ترخي قبضتها الحديدية عن أوروبا
أنهكها انهيار الطاقة والصراع التركي وتعثر المفاوضات مع الصين
بعد أن كانت غازبروم تملي شروطها عادة بسبب ضخامة حجمها، إذ كانت تزود الاتحاد الأوروبي بنحو 30 في المئة من حاجته من الغاز، إلا أن هبوط عوائدها بنسبة 70 في المئة دفعها إلى بذل جهد مضاعف من أجل الدفاع عن حصتها في سوق تعول عليه لتحقيق ما يصل إلى نحو ثلث دخلها البالغ 100 مليار دولار، ولم تعد غازبروم أداة دبلوماسية فاعلة في وقت توافرت للعملاء العديد من الخيارات الأخرى.
منذ أمد بعيد كانت شركة غازبروم الروسية، عملاق الغاز الطبيعي، المملوكة للدولة، والتي تتخذ من موسكو مقراً لها تلعب دوراً مزدوجاً، فهي أداة لسياسة الكرملين الخارجية ومصدر رئيسي للدخل من الضريبة بالنسبة إلى حكومة فلاديمير بوتين.لكن الأوضاع تبدلت الآن، فبعد أن كانت غازبروم تملي شروطها عادة بسبب ضخامة حجمها، إذ كانت تزود الاتحاد الأوروبي بنحو 30 في المئة من حاجته من الغاز، إلا أن هبوط عوائدها بنسبة 70 في المئة دفعها إلى بذل جهد مضاعف من أجل الدفاع عن حصتها في سوق تعول عليها لتحقيق ما يصل إلى نحو ثلث دخلها البالغ 100 مليار دولار.
ولم تعد غازبروم أداة دبلوماسية فاعلة في وقت توافرت فيه للعملاء العديد من الخيارات الأخرى.وتقول وكالة الطاقة الدولية، إن مستوردات الاتحاد الأوروبي من الغاز بحلول عام 2025 سوف تشكل 77 في المئة – مرتفعة عن نسبتها الحالية البالغة 63 في المئة.ولن تزود غازبروم بالضرورة أوروبا بتلك الكمية الإضافية كما أن الشركات الأميركية سوف تبدأ عام 2016 تزويد مصانع الطاقة الأوروبية بالغاز الصخري المسال.ويقول فاتح بيرول، وهو المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، إن "الغاز الصخري الأميركي سوف يوفر فرصة بالغة الأهمية للمستهلكين الأوروبيين لتقوية مواقفهم".وبحلول عام 2020، قد تشكل الصادرات الأميركية نصف كميات الغاز الطبيعي المسال المرن – أي الذي يسهل شحنه الى أي مكان - المتجه إلى أوروبا، بحسب فيليب أوليفر وهو كبير المسؤولين التنفيذيين لدى شركة إنجي غلوبال Engie Global التي تعمل في شحن الغاز الطبيعي المسال.الأمر لن يقتصر على أميركا فقطقال باتريك بوياني، وهو الرئيس التنفيذي لشركة توتال في شهر أكتوبر الماضي: "سوف تكون هناك منافسة بين الغاز الأميركي والروسي والجزائري والشرق أوسطي".وقد تخلت غازبروم عن أسلوب التهديد والوعيد الذي كانت تستخدمه مع العملاء الأوروبيين الذين اعترضوا على تدخل موسكو في أوكرانيا والذين فرضت حكوماتهم عقوبات اقتصادية على روسيا. (يذكر أن العقوبات الغربية لا تحظر شراء الغاز الطبيعي الروسي).وبدلاً من ذلك، أظهرت الشركة مزيداً من الاهتمام باحتياجات العملاء وأعلنت عن خط أنابيب لنقل شحناتها من الغاز مباشرة الى الاتحاد الأوروبي وتسعى إلى تسوية مع الاتحاد الأوروبي قد تكلفها مليارات الدولارات.ويكمل هذا الأسلوب الجديد محاولات روسيا لتخفيف التوتر مع الغرب حول أوكرانيا، وتعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب في سورية. وحققت تلك المحاولات نجاحاً محدوداً، لكن روسيا تصر على خططها. ويقول النائب الأول لوزير الطاقة أليكسي تكسلر: "أصبح موقف غازبروم والجانب الروسي مرناً في ضوء تغير الوضع، ونحن ندافع عن مصالحنا ولكننا نأخذ في الحسبان أيضاً مطالب الجانب الأوروبي".وتحاول غازبروم تهدئة الأوروبيين والبحث عن عملاء جدد في آن معاً. ويقول سيمون تاغليابترا، وهو زميل طاقة في مركز التفكير بروغل في بروكسل"، في أعقاب الأزمة الأوكرانية أصبح تنويع الغاز ضرورة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي وروسيا معاً، لكن روسيا في حاجة إلى سوق الغاز في الاتحاد الأوروبي بالقدر نفسه – إن لم يكن أكثر– من حاجة سوق الاتحاد الأوروبي إلى الغاز الروسي".فرصة المناورة المحدودة مساحة المناورة بالنسبة إلى غازبروم محدودة، وكل الغاز المتوجه إلى أوروبا يشحن عبر خط أنابيب، مما يعني أن روسيا لا تستطيع تحويله إلى أسواق أخرى، وليس من المتوقع أن يتم بناء روابط مع الصين قبل سنة 2019 كما أن روسيا أجّلت خططاً من أجل تحويل تركيا إلى ممر لها إلى أوروبا بعد أن أسقطت تركيا طائرة حربية روسية على مقربة من الحدود السورية في شهر نوفمبر الماضي.ويقول المتحدث باسم غازبروم سيرغي كوبريانوف، إن "سياسة غازبروم كانت متوازنة ومتكيفة دائماً". وهو يجادل في أن العملاء الأوروبيين أصبحوا أكثر اهتماماً بالغاز الروسي نتيجة هبوط الانتاج في أوروبا.وظهر أسلوب الكرملين التقليدي المتشدد مع العملاء في السنة الماضية عندما أفضى التوتر حول أزمة أوكرانيا إلى أسوأ شرخ في العلاقات مع الغرب منذ الحرب الباردة.وقد صرح الرئيس التنفيذي لشركة غازبروم أليكسي ميلر، بعد أن وقعت روسيا أول اتفاق لتوريد الغاز مع الصين بأن "أوروبا خسرت، وأن اتفاقاً آخر سوف يتم في المستقبل القريب"، وسوف يسمح ذلك لروسيا بإعادة توجيه شحنات الغاز التي كانت تتوجه إلى أوروبا من غرب سيبيريا إلى آسيا.في شهر سبتمبر من عام 2014 بدأت غازبروم بتخفيض شحنات الغاز إلى بعض الأعضاء في الاتحاد الأوروبي – بما في ذلك بولندا وسلوفاكيا وكانت تلك الدول تزود أوكرانيا بالغاز بغية الحلول محل الغاز الروسي الذي قطعته روسيا عنها نتيجة نزاع حول السعر مع جارتها.وحذرت موسكو من أن النزاع مع كييف، يمكن أن يعرقل الشحنات إلى أوروبا، كما حدث في سنة 2006 و2009، وكانت غازبروم في هاتين الحالتين قد قطعت الغاز عن أوكرانيا.ونظراً إلى أن أوروبا تحصل على معظم غازها الروسي عن طريق أوكرانيا، فإن إجراء غازبروم فرض نقصاً في الإمداد إلى الاتحاد الأوروبي أيضاً.وفي شهر يناير من عام 2015، أبلغ ميلر رئيس الطاقة الجديد في الاتحاد الأوروبي ماركوس سيفكوفيك بأن غازبروم سوف تقطع شحناتها إلى أوروبا عن طريق أوكرانيا بعد انقضاء عقد خط الأنابيب الحالي في سنة 2019.وسوف يرغم ذلك العملاء على بناء خطوط أنابيب جديدة – وأبلغ سيفكوفيك الصحافيين في موسكو، أن بلاده لا تريد العمل على هذا النحو.ولكن منذ فصل الربيع تصاعد الضغط على غازبروم، وبدأ تأثير الهبوط في أسعار الغاز، كما تتوقع غازبروم حدوث انخفاض في عوائدها من أوروبا في سنة 2016 بنسبة 16 في المئة أي إلى أدنى معدل في أحد عشر عاماً.وتعمل حقولها العملاقة في سيبيريا بأقل كثيراً من طاقتها، وهي تقول إن إنتاج هذه السنة سوف يهبط إلى مستوى قياسي بسبب ضعف الطلب وبشكل أساسي من أوكرانيا التي لم تعد تشتري الكثير.وفي شهر أبريل قدمت بروكسل شكوى تزعم فيها أن غازبروم باعت الغاز إلى بولندا ودول البلطيق بأسعار أعلى بنسبة 21 في المئة من المعدل.وإذا تأكدت الاتهامات قد تدفع عملاق الغاز ما يصل إلى 3.8 مليارات دولار على شكل غرامة، بحسب تقديرات في تي بي كابيتال VTB Capital في موسكو، وتنفي غازبروم كل تلك الاتهامات.تصدير الغاز إلى الصينوقد تعثرت المفاوضات المتعلقة بتصدير المزيد من الغاز إلى الصين. وفشلت من جديد بعد زيارة إلى الصين في شهر سبتمبر في تحقيق توسع في الشحنات وعمدت غازبروم إلى توقيع اتفاق مع خمس شركات كبرى في الاتحاد الأوروبي بما فيها شركات نفطية شملت "شل وإي.أون E.ON" لبناء خط أنابيب الى ألمانيا تحت بحر البلطيق.ويقول مسؤولون روس، إنهم على استعداد لعرض أسعار أقل إلى عملاء الغاز الذين يساعدون في تمويل البناء إضافة إلى امتيازات لضمان موافقة الاتحاد الأوروبي على الاتفاق.يذكر أن ميلر تراجع علانية عن تهديداته بالتوقف عن الشحنات عبر أوكرانيا بعد سنة 2019. كما أن غازبروم رضخت أيضاً إلى دعوات العملاء الأوروبيين حول إبداء مزيد من المرونة في التسعير.* كيلي غيلبلوم & ايلينا مازنيفا & آنا شيريافسكايا