قلق في مصر بسبب المراسيم بقوانين

Ad

أثارت المراسيم بقوانين التي أصدرها رئيس الجمهورية في مصر خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت ثورة التصحيح في 30 يونيو 2013 قلقا كبيراً، خاصة مع ما تضمنه بعضها من تضييق على الحريات مثل قانون التظاهر وغيره من القوانين، وهو التضييق الذي أملته، على السلطة الانتقالية في عهد الرئيس الأسبق عدلي منصور، الحرب على الإرهاب الذي يهدد كيان الدولة ومؤسساتها الدستورية، وهي الحرب التي أملت أيضا على الرئيس المنتخب عبدالفتاح السيسي هذا التضييق وسن تشريعات استثنائية لاستكمال خارطة الطريق.

وباستكمال المرحلة الثانية من الانتخابات البرلمانية في مصر التي جرت أمس وتجري اليوم بين المصريين في الخارج، وستجري خلال أيام في المحافظات التي تشملها هذه المرحلة، تطل علينا أزمة دستورية توشك أن تقع، عند عرض هذه المراسيم بقوانين على البرلمان القادم ليقرها أو يرفضها، في ضوء ما أسفرت عنه نتائج المرحلة الأولى من عودة كثير من فلول الحزب الوطني الحاكم قبل ثورة 25 يناير، ومن ظاهرة شراء النواب، التي لجأ إليها بعض رجال الأعمال من منظومة الفساد التي كانت تحكم البلاد خلال هذه الفترة.

غياب مبررات هذا القلق

وأعترف أنني لست قلقا من نتائج الانتخابات، فلم تكن هناك في مصر حتى الآن أيديولوجيات في الأغلب الأعم من الأحزاب السياسية، وعلى رأسها الحزب الوطني الحاكم خلال فترة الرئيس الأسبق حسني مبارك، حتى يثار هذا القلق من نجاح هذه الفلول، الذي كان يمكن أن يكون وارداً، لو كانت هذه الفلول ستفرض أيديولوجيتها على النظام، فقد كان النجاح في الانتخابات خلال هذه الفترة للعائلات في الصعيد وفي الريف بوجه عام، التي انضمت إلى الحزب الوطني الحاكم لحماية مصالحها وفرض نفوذها، وللأموال التي ينفقها رجال الأعمال وهذه العائلات لشراء الأصوات، فكل هذه الفلول، سوف تعلن ولاءها للرئيس عبدالفتاح السيسي وللنظام، لتجد مكانا لها في المشهد السياسي، أملاً في الحفاظ على مكاسبها ومصالحها.

أزمة الكويت في عام 1995

وهو ما يستبعد- في رأيي- أي أزمة دستورية يمكن أن تثار في موضوع المراسيم بقوانين، على غرار الأزمة التي ألقت بظلالها على الفصل التشريعي السابع لمجلس الأمة الكويتي، الذي تم انتخابه بعد فترة تم تعطيل الحياة النيابية فيها لعدة سنوات (1986-1992) ، حيث قامت الحكومة بعرض المراسيم بقوانين على مجلس الأمة للاطلاع لا لإعمال صلاحياته في إقرارها أو رفض إقرارها وفقا لأحكام المادة (71) من الدستور؛ بسبب ما أوجبته هذه المادة من عرض المراسيم بقوانين على مجلس الأمة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدورها، إذا كان المجلس قائما، وفي أول اجتماع له في حالة الحل أو انتهاء الفصل التشريعي، وما قررته هذه المادة من زوال ما كان لهذه المراسيم بقوانين من قوة القانون بغير حاجة إلى إصدار قرار بذلك، إذا لم تعرض في هذا الموعد.

وهو الأمر الذي أثار نقاشا في مجلس الأمة في جلسته المعقودة بتاريخ 24/ 10/ 1992 أصدره المجلس بإحالة الموضوع إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية، لإبداء رأيها حول مدى انطباق أحكام المادة (71) سالفة الذكر على المراسيم بقوانين الصادرة خلال فترة تعطيل الحياة البرلمانية.

إلا أنه تم الاتفاق بعد ذلك بين الحكومة ومكتب مجلس الأمة على أن يرجئ المجلس نظر المراسيم بقوانين المعروضة عليه، والتي لم يصدر قرار من المجلس في شأنها حتى يصدر حكم نهائي من محكمة التمييز في إحدى المنازعات القضائية المطروحة على المحاكم، إلا أن هذا الاتفاق لم يصمد كثيرا أمام ضغوط النواب الذين طالبوا باستمرار المجلس في ممارسة صلاحياته المنصوص عليها في المادة (71) من الدستور.

الأمر الذي أدى إلى طلب الحكومة سحب بعض المراسيم بقوانين التي عُرضت تقارير لجنة الشؤون الخارجية في شأنها على جدول أعمال المجلس في جلسته المعقودة بتاريخ 21/ 6/ 1994، وهو ما نشبت بشأنه أزمة بين المجلس والحكومة.

التجاء الحكومة إلى المحكمة الدستورية

ونظراً لأنه لم يحسم الخلاف حول هذا الموضوع، فقد قدمت الحكومة طلبا إلى المحكمة الدستورية بتفسير أحكام المادة (71) من الدستور لإبداء المحكمة رأيها في مدى انطباق أحكامها على المراسيم بقوانين الصادرة خلال فترة تعطيل الحياة النيابية.

كتبت مقالاً نشر لي في صحيفة "القبس" في عددها الصادر 3/ 4/ 1995 تحت عنوان "لماذا كان التجاء الحكومة إلى المحكمة الدستورية"، أبديت فيه رأيي الذي كان متفقا مع رأي الحكومة في وجوب الالتجاء إلى المحكمة الدستورية لتفسير المادة (71)، حتى تحسم المحكمة الجدل حول هذا الموضوع بقرار نهائي ملزم لكل من الحكومة والمجلس.

وهو مقال قدمته الحكومة إلى المحكمة الدستورية في أول جلسة محددة لنظر طلب التفسير بتعليق من الحاضر عنها بقوله "وشهد شاهد من أهلها"، وهو ما أثار مظنة أن أكون متفقاً مع رأي الحكومة في تفسير المادة 71 من الدستور موضوع الطلب.

وهي المظنة التي دفعها عني النائب المحترم مشاري العصيمي، الذي كان حاضراً عن المجلس في الرد على طلب التفسير مع النائب المحترم عبدالله الرومي، وغيره من نواب المجلس المحامين، فضلا عن المحامين من خارج المجلس الذين تطوعوا في الحضور عن المجلس، وقد كان رأيي مثبتاً في محاضر لجنة الشؤون التشريعية والقانونية، وهو يعلم أنني الذي أعددت رد المجلس على طلب التفسير بمشاركة بعض الزملاء في المجلس، وتفضل مشكورا بالاتصال بي، حيث كنت أقضي إجازة الحج في مصر، وطلب مني حضور الجلسة التالية للمحكمة التي تأجل لها طلب التفسير لأثبت رأيي دفعا لأي مظنة أثارها الحاضر عن الحكومة بعبارته التي قالها في المحكمة وهي: "وشهد شاهد من أهلها"، وقد ذكرت هذه الواقعة لأنني مدين له بهذا الفضل، إلا أن الأزمة انتهت بسلام، عندما أذعنت الحكومة لطلب المجلس، في سحب طلب التفسير واستمرار المجلس في نظر المراسيم بقوانين.

فهل يعبر البرلمان القادم في مصر الأزمة الدستورية التي يترقبها بعض السياسيين والخبراء الدستوريين والقانونيين حسني الظن بالممارسة البرلمانية السابقة، وذلك عندما تعرض المراسيم بقوانين على البرلمان في أول جلسة لانعقاده، كما عبر مجلس الأمة الكويتي أزمته بسلام، مع الفارق بين الأمرين، في أن المراسيم بقوانين الكويتية كانت صادرة خلال فترة تعطيل الحياة البرلمانية بأمر أميري، وأن المراسيم بقوانين المصرية تستمد شرعيتها من شرعية الثورة التي قامت في 25 يناير وفي 30 يونيو، وهو ما سأتناوله في مقال قادم بإذن الله.