في شهر مارس من عام 1991 أرسل الزملاء في الكويت رقم هاتفي في الرياض مع صحافي كندي يرافق القوات الدولية التي حررت الكويت، ويرغب في زيارة الرياض لاستكمال بعض أعماله الصحافية. كان الصحافي ضخم الجثة بديناً، ولا أعرف كيف كانت حركته وهو يقوم بعمل شاق في ذلك الوقت. كنا في أحد المطاعم الصينية واستأذنني بأن يأكل وجبتين. كان يسألني عن حال الكويتيين بعد التحرير وقبله، وكيف كانت مأساة الغزو وتبعاته على الحياة في الكويت، وما ستكون عليه الحال، ثم فجأة سألني سؤالاً بدا غريباً حينئذ "هل تعتقد أن الحرب انتهت بتحرير الكويت؟"، فأجبت إجابة تقليدية بناء على أوضاع تلك السنة ونظرتي القصيرة للأمور "أعتقد أنها انتهت. كان الهدف تدمير الجيش العراقي الضخم قبل أن تتغير القيادة العراقية لأي سبب".
إجابتي الغبية لم تعجب الرجل الذي خمنت أنه ناقل للأخبار، وأن الذي أرسل صحافياً بهذا الحجم لا يعرف شيئاً عن حركة المقاتل والصحافي الحربي. قال لي "هل تسمح لي أن أتكلم بحرية دون أن تنفعل أو تغضب". يبدو أنه قدر لي دعوته على وجبتين، فكان أكثر تهذيباً رغم وقاحة ما قاله حينئذ. قال "أولاً لقد بدأت الحرب الآن ولا تعلمون متى تتوقف. أنتم العرب نسخة من الإيرانيين وهم نسخة من الجهلة" -استعرت هذه الكلمة الأخيرة كترجمة بديلة لما قاله-، "وما علاقة الإيرانيين بالأمر؟"...الإيرانيون خرجوا من حرب الثماني سنوات منهكين ومحاصرين، ودمرت البنية التحتية لبلدهم، وهم في ذلك الوقت ليسوا إيرانيي اليوم. أكمل الصحافي كأنه يتكلم وهو يقرأ كتاباً مفتوحاً للغيب. "ستبقي أميركا صدام حسين لعشر سنوات قادمة، ولن تسمح بإزالته، ولن تسمح له بأن ينمو ثانية كما كان، خلال هذه السنوات سيتجهون إلى إيران لتبدأ في النمو، وتكون قوة مرعبة لكم. بعد عشر سنوات سيعود الأميركيون للعراق ليشعلوا حرباً جديدة بينكم وبين إيران".يعيش الإيرانيون اليوم فرحة مفتعلة بأنهم حققوا نصراً ربما سيقودهم ذلك إلى الظن بأنهم أرغموا العالم في الجهة الأخرى على الإذعان لهم، وسيتمكنون من إرغامه مرة أخرى لبسط نفوذهم في الصراع العربي- العربي الدائر حالياً. الصراع القادم سيجعلهم أكثر شهوة في التسلح، وسيجعلنا كذلك أكثر رغبة منهم في شراء السلاح وعسكرة المجتمعات الخليجية، وهي عسكرة فاعلة تعيش حالة معركة حقيقية. سنعود للوراء كثيراً، وسيكون هذا التسلح على حساب التعليم والثقافة والتطوير المدني حتى تبدأ الحرب الحقيقية. الحرب التي قصدها الصحافي الكندي والتي لم تبدأ بعد.في كل ما يدور حولنا، نحن من جهة وإيران من جهة أخرى، لا نملك أي دور حقيقي في هذا الصراع، ولن نكون أكثر من بيادق الشطرنج في لعبة الدول الغربية التي كلما نضب رصيدها المالي نشرت على طاولتها خريطة الشرق الأوسط، ورسمت أهدافاً جديدة ننساق لها بغباء غير معقول.ما الذي نحتاج إليه في هذا الوقت؟، وما الذي افتقدناه منذ التغير الأول عام 1979 وحرب الخليج الأولى حتى الحرب التي لم تبدأ بعد؟ ما نحتاج إليه هو أن نقرأ ما سيأتي ونستعد له لا أن ننتظره، أما السبيل إلى ذلك فجميعنا نعرفه ولكننا لا نريده.
توابل - مزاج
ما قاله الكندي السمين
19-07-2015