• منذ أواسط القرن التاسع عشر والهجرة بالنسبة إلى العرب مغامرة فردية، بل رومانسية أيضا كما يصورها الكاتب غسان الإمام، فتجد قصص الحب تتوقف عند الهجرة، ثم تستمر عندما يعود المهاجر إلى وطنه بسيارة فاخرة ليجد الحبيبة في انتظاره، أو تصل الإشاعات عبر "واتساب" الثمانينيات، أي الرسائل الورقية الإكسبرس بأنه تزوج فتأخذ ثقافة الهجرة منحى آخر.

Ad

 وكانت فترة الثمانينيات امتداداً لاتجاه الهجرة إلى أميركا اللاتينية وتحديدا البرازيل، وأذكر أثناء زيارتي للبرازيل في عام 1988 استغرابي لتسمية البرازيليين عاصمتهم التجارية سان باولو "كولونيا ليبانيز"، أي منطقة المستعمر اللبناني، وذلك لتحول العاصمة آنذاك إلى مزاد للإبداع، وانطلاق الأفكار التجارية والصناعية المزودة بشعور المهاجر بالرغبة في التطوير، والتحقت بالأدمغة المأكولات أيضا حتى أصبحت الملوخية والتبولة ضمن قائمة الطعام البرازيلية.

أما مهاجر اليوم إلى أوروبا فإن الثورة التكنولوجية وانتشار الأخبار والصور بشكل سريع قد ساهمت في التسرع في عملية اتخاذ القرار بشأنه، بالإضافة إلى عملية المقارنة المستمرة مع لاجئي الدول الأخرى، الأمر الذي قد يساهم في قتل الإبداع والرغبة في بدء حياة جديدة.

خلاصة الأمر غياب تكنولوجيا الأخبار ساهم في إخفاء معاناة مهاجري الأمس والتركيز على قصص النجاح فقط، أما اليوم فتضخيم المعاناة أشعل لدى البعض مشاعر الغضب والأسى، وأخشى أن يقتل الرغبة في التعايش السلمي مع المجتمعات الجديدة.

• ومن التكنولوجيا والهجرة إلى التكنولوجيا والتعليم، فعندما عرف العالم التعلم عن بعد عام 1840 عبر المراسلة البريدية تطورت بعدها وسائل التعليم مع الثورة التكنولوجية متيحة لجميع فئات المجتمع حق التعلم والتوصل للمعلومات، وفي عام 1874 بدأ الانتساب الطلابي لنيل شهادة البكالوريوس، وانتشرت بعدها سبل التدريس عبر المراسلة في العديد من الجامعات بدعوة من الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية التي تدعم حق التعليم للجميع، واليوم تتسابق الدول في تعزيز دور المجالس الوطنية الخاصة بنظم الدراسة عن بعد، واستحداث سبل جديدة لتوصيل التعليم ذي القيمة العالية إلى أكبر عدد ممكن، اليوم ثورة هارفارد إكس (الجامعة الافتراضية) استطاعت أن تجمع مئات الآلاف للتسابق في العلم والمعرفة التقنية، ونحن مازلنا في منطقتنا أسرى للتعليم التقليدي الجامد والمناهج الورقية، فأغلقنا باب التعلم الإلكتروني وفتحنا نافذة لاستغلال التكنولوجي السيئ عبر وسائل التواصل. فإلى متى؟

• ومن التعليم إلى التنمية، حيث يرسل لنا علماء الإدارة وخبراء الاجتماع الدراسات والتقارير مشكورين رغبة في فهم الإدارة الاستراتيجية السليمة وقدرتها على المساهمة في تطوير عملية التنمية، اللافت للنظر أننا لم ندرك حتى الآن أهمية إدراك واضعي الخطط الاستراتيجية مدى توافر القدرات التنفيذية لتطبيق تلك الخطط، فهل يدرك صانع القرار أن آليات الانتقال من مرحلة رسم الخطط إلى الوضع الجديد أي مرحلة التنفيذ في تعثر مستمر؟ وهل أجرينا عملية تقييم للقدرات المتوافرة وحددنا المهارات المطلوبة؟ وهل أفسحنا المجال للقطاع الخاص للحديث عن حالة الاختناق التي يعانيها؟

لسنا بحاجة إلى مؤتمرات أو المزيد من التصريحات، لنجرب الصمت لعلنا من خلال صمتنا ننجز!!