هل استُدْرِجت موسكو إلى المستنقع السوري كما تم استدراجها قبل أكثر من ثلاثة عقود إلى المستنقع الأفغاني؟ سؤال تتردد أصداؤه بشكل واسع لدى مراكز البحث الأميركية المتخصصة وكُتاب ومستشارين لعبوا أدواراً في بلورة السياسات الأميركية في المدة الأخيرة.

Ad

التساؤل أعلاه لا يكتسب مصداقيته من "التحفظات" الأميركية التي أخذت، ولا تزال، شكل الرسائل الدبلوماسية والتعبير عن "القلق" من احتمالات "المواجهة"، بل من تأكيدات المسؤولين الروس أنفسهم، بعدما قطعت موسكو مساراً سياسياً متكاملاً على امتداد الأشهر القليلة الماضية تجاه الأزمة السورية.

كل التكهنات كانت تشير إلى أن الروس ينسقون خطواتهم السياسية مع الأميركيين، أو على الأقل يستغلون الإحجام الأميركي عن التورط في مشكلات المنطقة تنفيذاً لسياسات الرئيس باراك أوباما، لبلورة وقائع جديدة تسمح لهم بالتحول إلى لاعب رئيسي في الأزمة السورية.

بعض التحليلات رأت في تعاظم الدور الروسي محاولةً للتوازن مع الدور الإيراني الذي تحول إلى لاعب رئيسي ليس في سورية فقط بل في المنطقة.

غير أن مصادر أميركية واسعة الاطلاع تشير إلى أن أسباب تصاعد الدور الروسي لا يمكن اختصارها بالعاملين أعلاه، رغم أهميتهما.

وتقول تلك الأوساط، إن مراقبة تطور التعامل مع أزمة اللاجئين السوريين وإعلان قادة أوروبا والولايات المتحدة عن توقع خمس سنوات صعبة للتعامل مع هذه الأزمة، يكشفان أن الكلام سواء عن مسار سياسي أو عسكري لحل الأزمة السورية لا يزال في خانة التكهنات هو الآخر.

وتركز تلك الأوساط على أن التناغم القائم بين طهران وموسكو حول سورية، قد لا يبقى قائماً على المدى القصير أو المتوسط على الأقل، فالتدخل الروسي المباشر سيترك تداعيات سياسية وجغرافية لا يمكن تقديرها فوراً، في حين تندفع آلة الحرب الروسية نحو "وكر الدبابير" القائم في سورية اليوم.

وللتذكير، فإن روسيا التي تدخلت في حرب أفغانستان على امتداد عشر سنوات حين كانت تعرف بالاتحاد السوفياتي في تلك الفترة، خرجت مهزومة في مواجهة فصائل أفغانية معارضة لا يمكن مقارنتها بالتشكيلات السورية المعارضة، سواء في العدد أو العدة أو التجربة القتالية.

ولعل المحرك الأبرز لهذه "الحيوية" الروسية، يكمن في النزعة القيصرية المتجددة للرئيس فلاديمير بوتين منذ سنوات، ومحاولته إخراج موسكو من عزلتها السياسية ومن أزماتها الاقتصادية المتراكمة، في تكرار لواقع حال الاتحاد السوفياتي في نهايات القرن الماضي.

وتذكر تلك الأوساط أن دوائر البيت الأبيض لم تكن بعيدة عن العروض التي قدمتها دول الخليج لموسكو لفتح أسواقها واقتصاداتها على استثمارات روسية وخليجية متبادلة، مقابل تغيير نهجها في التعامل مع المنطقة وكبح جماح السلوك الإيراني المنفلت من عقاله فيها، لكن الردود السلبية غير المفهومة من موسكو على تلك العروض، جعلت واشنطن تقتنع بعدم جدوى الحديث عن تنسيق جدي مع الروس لوضع حد لحمام الدم المنتشر في المنطقة.

فالروس يرغبون، على ما يبدو، في تجربة حظوظهم مرة أخرى، في حين نجحت إدارة أوباما بالإيحاء بضعفها، بينما العالم يواجه أزمات متعددة، تبدأ بسورية وأزمة لاجئيها وبالحروب المتنقلة من العراق إلى اليمن، ولا تنتهي بأزمة أسواق المال والأسهم الآسيوية بعد الجراح المثخنة التي أصيب بها التنين الصيني أخيراً.