عندما ننظر إلي خريطة منطقة الخليج العربي وجوارها الإقليمي نرى إيران تحتل ساحل الخليج الشرقي، وفي المقابل الساحل الغربي، بمعنى أن إيران دولة جارة لا يفصلنا عنها إلا الخليج، وهذا يعنى جغرافياً وتاريخياً أن الموقع والمكان مهمان، ولا يستغنى أحدهما عن الآخر أمنياً واقتصادياً، وأن العلاقات بين الجانبين حتمية لأن المكان لا يمكن أن يتغير.  إن الإشكاليات التاريخية والسياسية والدينية قد شابت العلاقات بين الطرفين، ولم يكن العراق بعيداً عنها، وبخاصة في التاريخ المعاصر، حيث نشب الخلاف الطائفي والسياسي والحدودي بين الطرفين، والآن ما هي المشكلات بين إيران ومنطقة الخليج العربية؟ تقول إيران، على لسان مسؤوليها، سواء في العهد الملكي السابق أو في عهد الجمهورية الحالي: إن البحرين جزء من إيران، وإن الجزر الإماراتية الثلاث التي احتلها الشاه عام 1971م أراضٍ إيرانية (أبوموسى، وطنب الكبرى وطنب الصغرى)، كما تقول إن اسم الخليج "فارسي" تاريخياً، وإن الخليج فارسي من بدايته إلى نهايته وإلى الأبد، وإن إيران اليوم تتمتع بنفوذ قوي في أربع دول عربية هي: العراق وسورية ولبنان واليمن، وتسعى ليلاً ونهاراً لتكون قوة إقليمية كبرى ضمن حدودها وخارج حدودها!

Ad

ودروس التاريخ علمتنا أن "الدولة النامية" التي تمتلك اقتصاداً جيداً، وقوة عسكرية، تفكر في التوسع، والتجارب التاريخية التي تشهد على ذلك كثيرة، سواء من تجربة والي مصر محمد علي في النصف الأول من القرن التاسع عشر أو صدام حسين أو غيرهما قبل وبعد ذلك، من هنا ينظر القوي ويطمع في الأصغر والأضعف من حوله. وإيران في بناء قوتها ومفاعلاتها النووية ليست بعيدة عن تلك التجارب في نظرتها إلى من حولها من العرب، والسؤال: لماذا لا يكون تطلعها ونفوذها نحو جيرانها الآخرين، لماذا الدول العربية فقط؟!

ما هي الإشكاليات التاريخية والسياسية والدينية بين إيران ودول الخليج العربية؟

نحاول هنا أن نذكر باختصار أهم المشكلات بين إيران ودول الخليج العربية في وقتنا الحاضر:

أولاً: اسم الخليج، حيث تصر إيران على تسميته بالخليج (الفارسي) ويصر العرب على تسميته بالخليج (العربي)، وتستند إيران إلى أن تلك التسمية تاريخية، سواء كان ذلك في عهد النظام الملكي السابق في إيران أو في عهد الثورة الإسلامية من نهاية السبعينيات من القرن العشرين، وقد نشرت بحثاً منذ سنوات تحت عنوان "الخليج عربي أم فارسي؟"... وقد بحثنا ذلك الاسم عبر التاريخ من الإسكندر الأكبر إلى اليوم، فتوصلنا إلى نتيجة أن للخليج ساحلين أحدهما عربي والآخر إيراني، ومن الناحية العلمية والجغرافية هو للطرفين مع مياه دولية في منتصفه، وأن التسمية لطرف دون آخر تعطيه حق السيادة عليه، فإذا أصر الإيرانيون على تسميته بالخليج الفارسي فمن حق العرب تسميته بالخليج العربي.

ثانياً: مطالبة إيران بالبحرين من منطلقين، أن إيران قد أقدمت على احتلال البحرين في القرن السابع عشر، وأن نصف شعب البحرين على المذهب الشيعي الذي هو مذهب رسمي في إيران من أيام إسماعيل الصفوي في القرن السادس عشر. ولا نريد أن ندخل في جدل حول ما ادعاه مثلاً صدام حسين من حق تاريخي للعراق في الكويت، وقام بجريمته عام 1990م، وما تدعيه إسرائيل من حق تاريخي لليهود في فلسطين قبل أكثر من ألفي سنة، فالبحرين حكمها العرب قروناً، وهي أقرب إلى ساحل الجزيرة العربية، ولا يحق لأحد أن يعيد التاريخ بعد كل التطورات التي حدثت عبر الحروب والهجرات والمتغيرات بما فيها إيران نفسها، فنظرية التوسع وقيام الإمبراطوريات قد انتهت، والبحرين دولة ولها خريطة، وعضو في الأمم المتحدة ومعترف بها من قبل إيران نفسها دولة مستقلة.

ثالثاً: الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى عام 1971 وتمسك النظام الإيراني الحالي بها. أيضاً نشرنا قبل سنوات دراسة عن هذه الجزر، فما تم في عهد الشاه محمد رضا بهلوي كان احتلالاً عسكرياً للجزر، والاحتلال حسب القانون الدولي يجب أن يزول، ثم إن هذه الجزر كانت لفترة زمنية طويلة تابعة للشارقة ورأس الخيمة، ولم تكن تحت السيادة الإيرانية قبل احتلالها.

ترفض إيران الاحتكام إلى الأمم المتحدة والتفاوض بشأن الجزر الإماراتية المحتلة، في وقت تساند جميع دول مجلس التعاون، والدول العربية، دولة الإمارات في مطالبتها بالجزر، ويعد إنهاء هذه المسألة جزءاً من تسوية الخلاف، وعودة بالعلاقات العربية- الإيرانية إلى طبيعتها.

رابعاً: عندما قامت الثورة الإيرانية وانتصرت عام 1979، بدأت بفكرة التوسع لحماية الثورة ولسيطرة المذهب الشيعي، مما حرك الأنظمة السنية وشعوبها وشعورها بالخطر، ولاسيما أن هناك أقليات شيعية في دول الخليج العربية، لكن التجارب التاريخية أثبتت أن ولاء معظم أصحاب هذا المذهب وطنياً لجنسيات دولهم، وأن المسألة سياسية لا طائفية.

خامساً: مشكلة الحدود البحرية وتحديدها بين إيران ودول الخليج العربية، إذ إن هناك حدوداً بحرية بين الطرفين من الكويت إلى عمان، كما أن هناك حقول نفط وغاز على تلك الحدود البحرية، فضلاً عن جزر، وحل هذه المشكلة الشائكة حلقة في سلسلة المشكلات بين إيران ودول الخليج العربية يجب أن يتم التفاوض والحوار بشأنها.

سادساً: المفاعلات النووية الإيرانية على الساحل الشرقي للخليج العربي. من حق إيران أن تبني قوتها النووية للأغراض السلمية، وهو حق لغيرها أيضاً، لكن أن تكون بعض تلك المفاعلات على ساحل الخليج فهذا يعرض مياه الخليج للتلوث النووي، فإذا كانت إيران لديها مصادر للمياه العذبة، فإن دول الخليج العربية تعتمد بشكل أساسي على تحلية مياه الخليج، وبعض مفاعلات إيران النووية تهدد مياه الخليج بالتلوت، إضافة إلى الملوثات الأخرى التي بدورها تهدد الحياة البحرية التي تعتمد عليها دول الخليج العربية، إلى جانب أن تصريحات النظام الإيراني بشأن الجزر الإماراتية والبحرين تثير قلقاً في دول مجلس التعاون، ويمكن الرجوع إلى تصريحات وزارة الخارجية الإيرانية في شهر أبريل 2009م والناطق الرسمي للمرشد الإيراني في مايو من ذلك العام.

هذه المشكلات الأساسية المعلقة بين إيران ودول الخليج العربية، على الطرفين التفكير جدياً بالحوار العقلاني للأمن والمصالح المشتركة في المنطقة، وقد أبدت دول الخليج العربية رغبتها في حل تلك المشكلات بالتفاوض، لكن الجانب الإيراني لم يتجاوب معها عملياً، فمن المهم أن تكون العلاقات بين الجيران سلمية وجيدة ومنصفة للطرفين، والفرصة لبنائها مهيأة والكرة في الملعب الإيراني.