توشك سنة 2015 أن تنتهي وتعبر آخر أيامها التي مرت على عالمنا العربي بأصعب وأقسى أحداثه المتعددة والمختلفة، ما بين حروب ممتدة من بداية الربيع العربي وإلى الآن، وتجاوزتها تونس ومصر بصعوبة بالغة حتى عبرتا إلى بر الأمان، الذي لم تحصل عليه ليبيا وضاعت في حروب قبلية داعشية لم تعرف نتائجها بعد.

Ad

ويبقى جرح سورية ممتداً نزيفه حتى عامه الرابع بحرب دمرت البلاد والعباد، وهجرت ملايين السوريين خارج بيوتهم وغزت بلادهم وشتتتهم في خيام ملاجئ العالم كله، وغرقت دماء الشهداء معظم البلاد العربية. ومن يرصد هذه الأحداث فربما يلاحظ أن هذا العام هو الأكثر والأكبر حصادا لهم، فلا يوجد في التاريخ العربي عام يشبه في حروبه مثل هذا العام 2015 بكم الحروب التي اجتاحت أغلب الدول العربية سواء كانت داخلية مثل ما حصل في مصر وتونس وليبيا أو مثل ما يجري الآن في سورية التي تدخلت في حربها أطراف متعددة حالها حال العراق المبتلى بالإرهاب الداعشي، وكذلك اليمن وحربه مع الإرهاب الحوثي.

فمنذ وعيت على الدنيا لم تحصل حروب تعم الجميع مثل ما هو حاصل الآن، كانت هناك حروب بعيدة نسمع عنها لكنها لا تمسنا، كنا نتعاطف معها بالدعم المادي أو بالعاطفة، لكنها تبقى لا تمثل ولا تحمل أي تهديد خارج عن حدودها، ولا يتدخل أحد في شأنها الداخلي إلا عن طريق مؤتمرات الجامعة العربية لا تتعدى عن التوصيات لا أكثر، لكن ما يحصل الآن بات غير مفهوم، تداخلت المصالح بعضها مع بعض، وأصبح شأن الدولة عرضة لتدخل دول أخرى تبعا للمصالح التي ترتئيها، وباتت العصابات الإرهابية تعيث في البلاد فسادا تبعا لمن يوجهها ويديرها بريموت كنترول المؤامرات الدولية ذات المصالح المتشابكة الطويلة الأمد، وأصبحت دائرة الخطر ممتدة تكاد تبلع الجميع في فوهتها ولم يعد أي أحد من الدول العربية أو الخليجية مستثنى منها، فمن هو بعيد عنها اليوم لن يكون بعيدا عنها غدا، مادامت المؤامرات والتخطيطات للمصالح الغامضة ما زالت مستمرة بهذا الحجم.

وهذه السنة لم تكتفِ بما حملته من مصائب الوضع السياسي، بل كحلت مصيبتها بالهبوط الكبير في أسعار النفط بشكل بات يهدد ميزانيات الدول كلها، ومنها دول مجلس التعاون الخليجي التي تأثرت بهذا الانخفاض الحاد والمستمر في النزول المتزامن مع التكلفة الناتجة عن دعمها لمنع انهيار اقتصاد الدول المتضررة من حروب الربيع العربي، وهو ما يمثل عبئا على أعبائها ما لم يتوقف هذا الهبوط في الأسعار أو يتحسن، أو تتمكن الدول الخليجية من تطوير وتغيير أدواتها وتنوع مصادر إنتاجها حتى تواجه وتستبق أزمات اعتمادها على مصدر دخل النفط وحده، وإلا فسيكون الوضع الاقتصادي صعبا ما لم توجد له الحلول، وربما تبقى وحدها دولة الإمارات "فنارة" المنطقة بعيدة عن منحدر هاوية الهبوط هذه، بفضل قيادة ورؤية قائدها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الذي لم تتأثر ميزانية بلده بانخفاض أسعار النفط الحاصل الآن۔

سنة 2015 التي تلوح بالوداع لم يكن تأثيرها على العالم العربي فقط حروباً وكوارث فجائعية إرهابية وهزات سياسية واقتصادية بل كان لها نصيب كبير من حصاد أرواح المشاهير من فنانين وأدباء، لهم محبوهم وعشاق فنهم، فعلى الصعيد الفني، غيب الموت سيدة الشاشة العربية ومعبودة الجماهير فاتن حمامة، وكذلك طليقها النجم العالمي عمر الشريف، وأيضا نور الشريف والمخرج المتميز رأفت الميهي، وفي المجال الأدبي غيب الموت الأديب الروائي المبدع إدوار الخراط وجمال الغيطاني والشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي والكاتبة الكبيرة فاطمة المرنيسي، والكثير من الأسماء التي لم أتذكرها، رحم الله الجميع بواسع رحمته.

مع كل ما حملته سنة 2015 من مصاعب وحروب وإرهاب وكوارث على كل المستويات سواء كانت محلية أو عالمية، لا يبقى لنا إلا الأمل بأن تكون السنة الجديدة التي توشك أن تحل علينا بعد أيام، نأمل أن تكون رحيمة وأقل شراسة من أختها التي سبقتها، وأن تأتينا بالسلام والأمان والاطمئنان الذي اشتاقت إليه أرواحنا وبات من أهم متطلبات حياتنا ووجودنا، فكل ما نحلم به الأمان والسلام لنا جميعا.

عاماً سعيداً للجميع.