لا امتع من حيازة كتاب يتضمن بين دفتيه دراسة تراثنا الأدبي وعرضه لإنماء ثقافتنا ومعرفتنا به على مدى العصور.

Ad

لقد ارادت هدى التميمي بكتابها «الأدب العربي عبر العصور» أن تقدّم لنا دراسة شاملة وواضحة، وهي الخبيرة في شؤون التعليم والدراسات العربية والإسلاميّة، فأخذتنا في رحلة ممتعة انطلاقاً من العصر الجاهلي حتى الوصول إلى العصر الحديث. وقبل ان تشرع الكاتبة في بدء مسيرتها، استهلّت الكتاب بتمهيد عرّفت فيه عن «شبه جزيرة العرب» والحياة الاجتماعيّة والسياسيّة التي كانت سائدة حينذاك. كما ركزت على اصل اللغة العربية، وشرحت عناصر الأدب العربي وأطواره التاريخيّة.

العصر الجاهلي

يحتلّ الشعر في العصر الجاهلي المكانة الأولى في ذلك الأدب، ويشكل الجزء الأكبر من التراث الأدبي الذي وصل إلينا من عصر ما قبل الإسلام. وقد برز في الجاهليّة شعراء بارعون خلّفوا زخماً شعرياً متميّزاً.

تنوّعت أغراض هذا الشعر، فمنها ما يرتبط بالذات ومنها ما يرتبط بالمجتمع. ومن أهمّ هذه الأغراض: الغزل، والفخر، والهجاء، والمدح، والحكمة، والوصف. ولعلّ ما يميّز هذا الشعر الوقوف على الأطلال وصلتها بالمحبوبة، تمهيداً لموضوعات أخرى يودّ الشاعر أن يتناولها. ويرى الكثير من الباحثين أن امرأ القيس هو الرائد في هذا المجال، ومعلقته المشهورة تمثّل هذه المقولة خير تمثيل حيث يقول:

قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزل

بسُقط اللّوى بين الدَّخول فحَوْملِ

كان الشعر فطرة عند الجاهلي وغذت الطبيعة مشاعره بالإضافة إلى معاناته وصراعه من أجل البقاء. فجاءت أشعاره مليئة بالافتخار ومدح الفروسيّة والشجاعة، وغدا لساناً ناطقاً باسم القبيلة ومدافعاً عنها. وقد ترك الشعراء الجاهليون لنا قصائد هي قمة في الشعر العربي، ومنها «المعلقات» التي قال عنها العلماء القدماء إنها علّقت على جدار الكعبة لأنهم استحسنوها وكتبوها بماء الذهب، وهذا ما ذهب إليه ابن عبد ربه في «العقد الفريد» وابن رشد وابن خلدون وغيرهم.

صدر الإسلام

حصر علماء اللغة والأدب والنقاد مصادر الأدب في عصر صدر الإسلام بثلاثة رئيسة هي: القرآن والحديث والأدب الجاهلي. وقد عكس ظهور الإسلام صدى قوياً في الحياة الأدبيّة شعراً ونثراً وترك بصمات واضحة، فقضى على سجع الكهّان ونهى الخطباء عن التمثل  بالوثنية الجاهلية، فظهر لون من الخطابة يستقي من ينابيع الإسلام.

الهجاء السياسي

اتجه الشعراء إلى اغراض دعت إليها البيئة الإسلاميّة كشعر الجهاد والفتتوح والقيم والمُثل والمبادئ، بينما استخدم المخضرمون نوعاً جديداً هو الهجاء السياسي. وكان من أبرزهم كعب بن زهير بن أبي سلمى، والخنساء، ولبيد بن ربيعة، والحطيئة، وحسّان بن ثابت شاعر الرسول، والنابغة الجعدي. وقد تميّز شعر كعب بالحكمة وهو القائل في طلب المغفرة والاسترحام من الرسول:

إن الرسولَ  لنور يستضاء به

مهنّدٌ من سيوف الله مسلولُ.

أما النثر فقد استطاع مواكبة المستجدات آنذاك، واتسم بالدعوة إلى التوحيد والخلق والفضيلة والحقّ والخير، وتميّز أسلوبه بحسن السبك والاقتباس من القرآن الكريم والحديث الشريف. واعتمد الإسلام الخطابة لإعلان قيم الإسلام وآدابه وأحكامه، وكان الرسول (صلعم) أخطب العرب قاطبة، وبالمثل كان الخلفاء الراشدون خطباء مفوّهين، وعلى رأسهم علي بن أبي طالب.

العصر الأموي

كانت للشعر منزلة متقدّمة عند الكثير من الخلفاء الأمويين، وقد رووه وتمثلوه في كثير من مواقفهم. وينقسم الشعر والأدب في هذا العصر إلى: الغزل بنوعيه الماجن والعفيف، والأدب والشعر السياسي الديني. وفي الغزل العذري قال قيس بن الملوّح في وصف ابنة عمه ليلى:

تعلقتُ ليلى وهي ذات تمائمُ

ولم يبدُ للأتراب من ثديها حجمُ

صغيرين نرعى البهمَ يا ليت أننا

إلى اليومِ لم  نكبر ولم تكبر البهمُ

في العصر الأموي ازدهرت الخطابة وبلغت ذروتها، وتنوّعت أغراضها بين السياسي والديني والعقلي. وقد اشتهر بعض الخطب كخطبة زياد «البتراء»، وخطبة معاوية بالمدينة عام الجماعة التعي يقول فيها: «... وإن لم تجدوني أقوم بحقكم كله فاقبلوا مني بعضه، فإن أتاني منكم خير فاقبلوه، فإن السيل إذا زاد أثرى، وإذا قلّ أغنى، وإياكم والفتنة، فإنها تفسد المعيشة وتكدّر النعمة».

ومن وصايا الآباء لأبنائهم ما كان سياسياً كالوصيّة التي أسداها مروان بن الحكم لولده عبد العزيز حين ودّعه وتوجّه إلى الشام، يقول فيها: «أرسل حكيماً ولا توصه... إياك أن يظهر لرعيتك منك كذب، فإنهم إن ظهر لهم منك كذب، لم يصدقوك في الحق...». وقد اشتركت المرأة في الوصايا إذ أوصت أسماء بنت أبي بكر ولدها عبدالله والحجاج محاصر له في مكّة، وقد أمّنه عبد الملك بن مروان، فقالت: «أي بنيّ، لا تقبل خطة تخاف على نفسك منها القتل. مت كريماً، وإياك أن تؤسر، أو تعطي بيديك»، فقال: «يا أمه، إني أخاف أن يُمثّل بي بعد القتل»، فقالت: «لا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها».

العصر العباسي

آلت الخلافة إلى بني العباس بعد أن قضوا على سلالة الأمويين الحاكمة، واشتمل عصرهم على عهود تسعة خلفاء قاموا على تشييد مدينة بغداد لتكون عاصمة الخلافة الإسلامية، فازدهرت طيلة قرنين من الزمن، وأصبحت إحدى أكبر مدن العالم وأجملها وحاضرة العلوم والفنون.

شهد هذا العصر ميلاد علم تفسير القرآن وفصله عن علم الحديث، وعاش فيه أئمة الفقه الأربعة: ابو حنيفة، ومالك، والشافعي، وابن حنبل. كما حفل ايضاً بائمة النحو مثل: عيسى بن عمر الثقفي، والخليل بن أحمد الفراهيدي، وسيبويه، والكسائي، والفرّاء وغيرهم. ومن مظاهر ازدهار هذا العصر التشجيع على الترجمة من اللغات الأجنبية، وجمع اللغة والشعر القديم وتدوينهما. وتطورت أساليب الشعر في العصر العباسي فمالت إلى الرقّة والعذوبة، ودخلت ألفاظ جديدة غير عربيّة ومصطلحات علميّة في شعر الكثيرين، ويطلّ ابو نواس في خمرياته فيقول:

عاج الشقيّ على دارٍ يسائلها

وعجت أسأل عن خمارة البلد

وسعى عدد من الشعراء، إلى تصوير البطولة، وجسّدوها على نحوٍ مفجع كما فعل أبو تمام، والبحتري، والمتنبي، وابو فراس الحمداني. وهذا ابو تمام يستهلّ قصيدته على النحو الآتي:

السيف لا أصدق إنباءً من الكتب

في حدّه الحدُّ بين الجدّ واللعبِ

بيضُ الصفائح لا سود الصحائف

في متونهن جلاء الشك والريبِ

ويبرز المتنبي في الأمثال السائرة والحكم ذات المعاني المبتكرة، ومن أشهر قصائده في الفخر والشجاعة:

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي

واسمعت كلماتي من به صممُ

أنام ملء جفوني عن شواردها

ويسهر الخلق جرّاها ويختصم

العصر الأندلسي

أقام العرب المسلمون على أرض الأندلس حضارة استمرّت ثمانية قرون أنشأ خلالها المسلمون أدباً رفيع المستوى وحققوا إنجازات كبيرة في ميادين العلوم.

واشتهرت في هذا العصر الموشحات الأندلسيّة التي انعكست فيها مصادر الجمال كالطبيعة والحدائق والقصور، وأضفى عليها الشاعر الأندلسي حسّاً إنسانيّاً فبثّ في عناصرها الروح والحياة، وقد شبه ابن سفر المريني الأندلس بالجنة إذ يقول:

يأهل أندلس للّه درّكم

 ماءٌ وظلٌ وأنهارٌ وأشجارُ

ما جنّة الخلد إلا في دياركم

ولو تخيّرتُ هذا كنت اختارُ

وراجت الموشحات فشقّت طريقاً جديداً أضفى على الشعر العربيّ مضامين وأشكالا فنية مختلفة، واتسعت الأغراض مثل: شعر الطبيعة، وصف مظاهر الحضارة، ومجالس اللهو والغناء. وهذا لسان الدين بن الخطيب يمدح أمير غرناطة فيقول:

جادك الغيث إذا الغيث همى

يا زمان الوصل بالأندلس

لم يكن وصلك إلا حلماً

من الكرى أو خلسة البمختلِس

في العصر الحديث

يشتمل الأدب الحديث على النتاج الأدبي للفترة منذ بداية القرنين التاسع عشر حتى يومنا هذا. فشهد عدد من الكتّاب والشعراء في مصر والشام كان لهم دور واضح في حركة البعث والإحياء والتجديد الأدبي شعراً ونثراً. ففي مصر ظهر رفاعة الطهطاوي، والبارودي، وعبدالله النديم. اما في الشام فقد ظهر ناصيف اليازجي، وابراهيم اليازجي، والشدياق، وبطرس البستاني، والكواكبي، وأديب اسحق وغيرهم.

ومن الملاحظ أن أغراض النثر الأدبي والاجتماعي والسياسي والخطابة قد قويت، كما وأن القصة تطوّرت، وترجمت يعض القصص غير العربية، إضافة إلى نشاط نواحي الإنتاج الأدبي كالنقد وتأليف الروايات.

ومن أشهر الأدباء الذين برزوا: ابراهيم طوقان، المازني، ابو القاسم الشابي، الزيات، أحمد شوقي، أمين الريحاني، إيليا ابو ماضي، السيّاب، بنت الشاطئ، توفيق الحكيم، جبران خليل جبران، جرجي زيدان، خليل مطران، ميخائيل نعيمة، سميح القاسم، العقاد، قاسم أمين، المنفلوطي، نجيب محفوظ، أدونيس، نزار قباني، أنسي الحاج، السباعي وغيرهم الكثير.

وتعددت المدارس الشعرية العربية في العصر الحديث، ومنها المدرسة الاتباعية، والمدرسة الرومانسية، المدرسة الواقعية، ومدرسة الإحياء.

من المؤكد أن هذا العمل على اتساعه ووضوحه، قد نال الغاية المرجوة وأصاب الهدف. فهو كتاب  يقدّم قضايا الأدب العربي ومسائله في مختلف العصور على درجة من التنوّع والتبسيط، مما يجعل من قراءته متعة لا توصف.