ما عاد لوقف إطلاق النار الذي توصلت إليه الهند وباكستان أي وجود مع تنامي إطلاق النار باطراد منذ أواخر عام 2012، ويشير اعتداء يوم الاثنين على مقر الشرطة في بلدة غورداسبور البنجابية إلى ذروة جديدة في أعمال العنف، إذ ألقت الصحافة الباكستانية مسؤولية هذا الاعتداء على المتطرفين الكشميريين، إلا أنه قد يكون من تنفيذ مجموعة مثل عسكر طيبة، أما الانفتاح الدبلوماسي بين رئيسي الوزراء مارندرا مودي ونواز شريف، فكان بارزاً في الظاهر، إنما ضئيلاً في محتواه ومحدوداً في الأطر المتعددة الأطراف. نتيجة لذلك تبدو الظروف ملائمة لاندلاع أزمة جديدة في هذه البيئة المتوترة، وخصوصاً إذا تبين أن هجوماً إرهابياً على الأراضي الهندية يرتبط بمجموعات إرهابية يدعمها جهاز الاستخبارات الباكستاني، ولا شك أن هذا التوتر المتنامي يجعل إدارة الأزمة أكثر صعوبة ويزيد خطر وقوع صراع ذات أبعاد نووية.
حذرت حكومة رئيس الوزراء مودي باكستان من أنها سترد بقوة على هذه الاستفزازات، سواء على طول خط المراقبة في كشمير أو في أماكن أخرى، وخلال الحملة الانتخابية تبنى مودي موقفاً متشدداً من باكستان، منتقداً موقف حكومة التحالف التقدمي الموحد «الضعيف»، وفي شهر مايو عام 2015 أُرغم المسؤولون الحكوميون على تلطيف تعليقات وزير الدفاع مانوهار باريكار بشأن القضاء «على الإرهابيين بالإرهابيين فحسب»، أما بشأن خط المراقبة فقد توعّد في شهر أكتوبر عام 2014 وزير الدفاع آنذاك أرون جايتلي بإنزال خسائر «لا تنسى» بباكستان، وفي شهر ديسمبر عام 2014 أعلن باريكار أن القوات الهندية، إن تعرضت لاعتداء، سترد «بقوة مضاعفة»، لكن هذه التهديدات الرادعة بالرد المضاعف على العنف أخفقت في الحد منه.تحدثت التقارير عن انتهاكات لوقف إطلاق النار على طول خط المراقبة خلال 21% تقريباً من أيام عام 2013، وهكذا تكون أعمال العنف قد بلغت مستوياتها الأعلى منذ أزمة «القمتين التوأمين» بين عامَي 2001-2002 التي أشعلها في شهر ديسمبر عام 2001 اعتداء نفذه متطرفون مقرهم في باكستان على البرلمان الهندي. كاد هذا الاعتداء، الذي ترافق مع عمليات إطلاق نار على طول خط المراقبة، أن يؤدي إلى الحرب، فقد حشدت هاتان الدولتان نحو مليون جندي، وظلت أعمال العنف مرتفعة في عامَي 2014 و2015 مع بلوغ نسبة الانتهاكات نحو 20% من أيام عام 2014 و23% من أيام الأشهر الثلاثة الأولى عام 2015. وعلى سبيل المقارنة بلغت انتهاكات وقف إطلاق النار على طول خط المراقبة 10% فقط من أيام عام 2012.في هذه البيئة المشحونة يُعتبر اعتداء يوم الاثنين مقلقاً جداً، فلم تنجح الهند وباكستان في إقامة قنوات دبلوماسية فاعلة لمعالجة المسائل البارزة، ولا تُستخدم قنوات مماثلة إلا بشكل متقطع وفي أطر متعددة الأطراف، أما الجهود الرامية إلى تحسين العلاقات التجارية وإلغاء تأشيرة الدخول، فتتقدم ببطء، فضلاً عن أننا لا نشهد أي تقدّم في تدابير بناء الثقة والحد من المخاطر النووية.لا يشكل انتقال العنف من خط المراقبة في كشمير إلى البنجاب حاجزاً أمام تحسين العلاقات، بل يجعل أيضاً عملية إدارة الأزمة أكثر صعوبة ويفاقم مخاطر التصعيد، فقد أشعلت الاعتداءات الإرهابية التي نفذها متطرفون مقرهم في باكستان على الأراضي الهندية أزمتين أخيرتين: في عام 2008 بعد اعتداءات مومباي، وبين عامَي 2001 و2002 مع أزمة «القمتين التوأمين»، وعلينا أن ننتظر لنرى ما إذا كان رئيس الوزراء مودي سيعرب عن ضبط النفس كما فعل سلفه.تُبرز الحوادث الأخيرة الخطر النووي المرتبط بأي أزمة نووية هندية باكستانية، وحكمة بذل جهود أكبر لتحسين العلاقات الثنائية، ويُعتبر خط المراقبة المكان الوحيد على وجه الأرض، حيث يتبادل خصمان متسلحان نووياً النيران بانتظام، ولا شك أن المخاطر النووية تتراجع، عندما يكون خط المراقبة هادئاً، إلا أنها تصبح أكثر تفاقماً وتثير المخاوف، حين يتبادل الجنود الباكستانيون والهنود النيران الثقيلة.يشكل تنامي أعمال العنف على طول خط المراقبة وقرب الحدود الهندية الباكستانية مؤشراً واضحاً ومقلقاً إلى تدهور العلاقات الباكستانية الهندية على نطاق أوسع، ويجعل التقدم الدبلوماسية الشامل بين الهند وباكستان بعيد الاحتمال. وهكذا تبدو الظروف ملائمة لاندلاع أزمة جديدة، ولا شك أن العنف على طول خط المراقبة سيزيد إدارة الأزمة صعوبة وتعقيداً، فقد تراجع كثيراً وقف إطلاق النار الذي فُرض عقب أزمة «القمتين التوأمين» بين عامَي 2001 و2002، أما الطرق الفضلى التي تستطيع من خلالها باكستان والهند دخول مرحلة من استقرار العلاقات بينهما، فتشمل العودة إلى الالتزام بوقف إطلاق النار، إذ لم تتفق الهند وباكستان على تدابير جديدة لبناء الثقة منذ عام 2007، ومن المؤكد أن تهدئة الأوضاع على طول خط المراقبة تمثل نقطة انطلاق جيدة.* جوليا طومسون
مقالات
هل تتجه الهند وباكستان نحو الحرب؟
03-08-2015