عادت حالة الجدل العبثي القائمة منذ سبعينيات القرن الماضي على الساحة الكويتية الخاصة بإقامة الدولة الإسلامية الشرعية في الفترة الأخيرة في البرامج الحوارية التلفزيونية وبعض المقالات الصحفية، لتثير نقاشات بلا طائل، وتكشف عن نفاق بعض الأصوليين الذين صرحوا علناً بعدم إيمانهم بالدستور الكويتي ولا العملية الديمقراطية، وأن انخراطهم فيها كان مجرد وسيلة لنقض الدستور ذاته وتحقيق دولتهم الدينية.

Ad

بالتأكيد إن النقاش مع الأصوليين الإسلاميين هو عبث وتضييع للوقت والجهد، فذلك الحوار الممتد منذ عقود لم يصل إلى نتيجة مفيدة، فعملياً لا يحتاج دعاة الدولة المدنية إلى أن يناقشوا أصولياً سواء كان من الإخوان المسلمين أو السلف أو حزب الله، بل أطلب منهم أن يروا بأعينهم ما فعلته نتائج الصحوة الإسلامية في أفغانستان واليمن والعراق وسورية.... إلخ، وما هو حال العرب والمسلمين اليوم في أوطانهم وفي دول المهجر والمطارات العالمية والجامعات والمؤسسات الدولية؟

فباسم الصحوة الإسلامية يمزق السني والشيعي في العراق وطنهما، وبواسطة فكر التطرف الذي أشاعه الأصوليون استطاع طاغية دمشق ومجرمها بشار الأسد أن يشوه ثورة شعب الشام ضده ويحول سورية إلى حمام دم، وفي الجزائر ذبح الآلاف بفكر الصحوة، ومازال بعض الشباب السعوديين والمصريين والخليجيين يلبسون الأحزمة الناسفة ليقتلوا ويدمروا مستقبل الأمة كلها، وبنفس الرد التقليدي القائم منذ سنوات سيرد دهاقنة الإسلام السياسي بأن ذلك ليس هو الإسلام الحقيقي، وبالطبع ليس هذا هو الإسلام الحقيقي، ولكن ظهور تنظيمات الإسلام السياسي وتقديمها لما يسمى بالدولة الإسلامية وتنظيراتكم للصحوة الإسلامية هي التي أوصلتنا إلى هذه الحالة الكارثية.

المشكلة أن رموز الإسلام السياسي ورغم ما وصلت إليه حال المسلمين وأوطانهم من كوارث تهدد كيانها كله، وتمزق دولها الكبرى، وما يجري من تقتيل للمسلمين السنة، وغرق أطفالهم ونسائهم في البحر على حدود أوروبا، مازالوا (قادة الإسلام السياسي) يتكلمون عن الدولة الإسلامية وكأنهم لا يرون ما يفعله الـ"دواعش" الذين بالتأكيد هم نتيجة فكرهم السلفي- الإخواني وذلك بدايةً من "معالم في الطريق" حتى تجليات عبدالله عزام، واجترار التاريخ وفتح قضايا عقائدية خلافية طواها الزمان والنسيان، وكذلك سينفون صلتهم بـ"داعش"، وسيتحدثون عن الوسطية والمناصحة، وهما المشروعان القائمان منذ أكثر من 15 عاماً ومازال الشباب الضالون يلبسون الأحزمة الناسفة ويجزون بسكاكينهم الرقاب بمبررات عقائدية أصولية متشددة.

وفي الكويت لدى بعض رموز التيار الديني السياسي وخاصة الحدسيين منهم القدرة على مواجهة الجمهور رغم "البلاوي"، التي تسببوا فيها منذ أن تحالفوا مع كل فكر رجعي ومعاد للمدنية في عام 1976، فقد سيطروا على جامعة الكويت منذ 40 عاماً، ورغم ذلك يتحدثون عن تراجع العملية التربوية في الكويت، وأحد رموزهم بلا أي خجل يقول إن المتطرفين هم نتيجة المناهج الليبرالية! وكأن مناهج الدول الخليجية التي تمد الدواعش بأكبر عدد من الشباب كان يضعها الدكتور حسن الإبراهيم! وكأنه أيضاً لم يطلع على عدد الكتب الدينية التي تفرض على التلميذ الكويتي منذ اليوم الأول لدخوله المدرسة منذ أن تصدروا المشهد، ولا على التراجع المفجع للكويت على معظم الصُّعُد والمجالات.

  لاشك في أن تجار السياسة الدينية يطبقون "الميكافيلية" بحرفنة واقتدار، ولكن أما حان لهم بعد ما حققوه من مكاسب من المال والسلطة، أن يتوقفوا ويروا نتيجة اللعب بالمعتقد الديني على حبال السياسة؟، فمنطقتنا تحترق وشعوبنا تقصف بالبراميل، وأطفالنا غرقى على شواطئ أوروبا، وكل لئيم يقصفنا بحجة محاربة الفكر الإسلامي المتطرف، وكل صاحب مشروع قومي فارسي أو كردي على حساب العرب وأرضهم ومقدراتهم يستغل خطر الإسلام السياسي لينفذ مشروعه، لذا إن كنتم محقين يا أصحاب ما يسمى بـ"الصحوة" توقفوا اليوم عن خلط أي شيء يتعلق بهذا الدين العظيم في السياسة، لنواجه هجمة العالم علينا، فبالله عليكم أوقفوا شلال الدم الذي فتحتموه باسم "الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة".

***  

   بعد فوز حزب العدالة والتنمية المستحق في الانتخابات التركية، سيتحدث بعض الإسلاميين عندنا عن تركيا كنموذج عن الحكم الإسلامي، وهي مغالطة شنيعة، فتركيا دولة علمانية بحراسة من الجيش التركي، ودولة مدنية من الألف الى الياء حتى النخاع، وإنما حزب العدالة هو حزب سياسي لديه برنامج إصلاحي اقتصادي وإداري ناجح، وله طابع تراثي بمعالم إسلامية مرئية (حجاب مطور، ومائدة إفطار في رمضان) ولكن لم تدخل الشريعة الإسلامية في إدارة الدولة، فمازالت المطاعم في تركيا مشرعة الأبواب في نهار رمضان، والبارات تعمل ظهر يوم الجمعة، ولم يطبق حكم شرعي واحد على الأراضي التركية.