«طمبولا»
عادت أفلام المقاولات! هذا ما تكشف عنه تجربة الفيلم المسمى «طمبولا»، الذي لا يعرف أحد متى صور؟ وكيف اجتمعت له هذه الكوكبة من الممثلين الثانويين؟ وما خلفية مخرجه علاء شاكر الذي ظهر اسمه على السطح فجأة؟
المُدهش أن «طمبولا» قام على كتفي ممثل اسمه محمد شومان تنبأنا له جميعاً بأنه سيكون على موعد مع النجاح والتألق عندما جسد مجموعة من الأدوار الثانية أشهرها دور ضابط المباحث الفاسد في فيلم «واحد من الناس» أمام كريم عبد العزيز، ودور الطبيب الشرعي في فيلم «أدرينالين» أمام خالد الصاوي، ومدير أعمال رجل المال «مرجان أحمد مرجان» أمام عادل إمام. لكنه اختفى في ظروف غامضة، بعدما شارك في حملة لحساب مصلحة الضرائب دفع ثمنها غالياً، بعدما خصمت من رصيد الحب الذي يكنه له الجمهور، وطواه النسيان، قبل أن يسعى إلى استعادة ما فاته من خلال دور التاجر الجشع «طمبولا الفار» في فيلم «طمبولا» الذي كتب له السيناريو والحوار عوض عساف، وكتب قصته السيد أبو سعدة، وهو نفسه منتج الفيلم، الذي منح الفرصة للوجه الجديد ياسمين أبو سعدة، التي تنتمي في ما يبدو إلى عائلته، ومعها الطفل فهد أبو سعدة، بالإضافة إلى عدد كبير من ممثلي الأدوار الثانوية: بدرية طلبة، عبد الله مشرف، مظهر أبو النجا، محمد متولي، صبري عبد المنعم، منير مكرم، وحسين مملوك في محاكاة لتوليفة أفلام المقاولات التي ظهرت وانتشرت في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، وعُرفت بأنها قليلة الكلفة، وينتهي تصويرها في أسبوعين على أكثر تقدير. غير أن ما يستدعي الأسى في تجربة «طمبولا» أنها نجحت في إقناع أحمد فرحات، الذي أدى دور الطفل في عدد من الأفلام الشهيرة مثل: «معبودة الجماهير» و{شارع الحب» أمام عبد الحليم حافظ و{سر طاقية الإخفاء» أمام إسماعيل ياسين، وظهر بشخصيته الحقيقية في فيلم «إشاعة حب» أمام عمر الشريف وهند رستم، بالعودة إلى الشاشة الكبيرة، والظهور في دور أقل ما يُقال عنه إنه أساء إلى تاريخه كثيراً، وأهال التراب على صورته الذهنية التي يحتفظ بها الجمهور، وشكلت جزءاً من وجدانه! الطريف أن الشركة المنتجة للفيلم اختارت لنفسها «لوغو» قريب الشبه من الشعار الشهير للشركة العالمية «مترو غولدن ماير»، الذي يظهر فيه الأسد وهو يزأر؛ حيث اختارت بدورها أسد يهرول من عمق الكادر إلى أن يتصدر الشاشة، في لقطة ثابتة، وفي خلفيته الأهرامات الثلاثة (!) وفي ما عدا هذا لم تحاك الشركة العالمية في شيء على الإطلاق، فالإنتاج هزيل ليس فقط على صعيد الطاقم التمثيلي والعناصر الفنية، وإنما في اختيار بلاتوه متواضع في أستديو الأهرام جرى فيه التصوير بالكامل، حيث الحانوت الفقير الذي تتغير لافتته بين المالك «طمبولا الفار» (محمد شومان) والمعلم «عزت» (عبد الله مشرف)، فالأول بخيل يستغل جشع الآخرين، ويبيع لهم الهواء، بحجة أنه «شاطر وبيعمل من الفسيخ شربات ومن التراب دهب» بينما الثاني طيب لدرجة السذاجة يتعرض للخديعة المرة تلو الأخرى، ومع هذا لا يؤمن بالحديث الشائع «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين»، خصوصاً أنه ليس الضحية الوحيدة للتاجر البخيل، الذي يتعلم الإنكليزية من دون معلم، وينطقها بشكل مشوه، وفي غير موضعها، فالجميع يقع في الشرك، نتيجة الجشع والطمع، والسعي المحموم إلى الثراء بأقل مجهود وثمن! تفنن كاتب السيناريو، ومعه المخرج، في الإساءة إلى أهل الحارة، سواء على صعيد الشكل (الرجل المسخ والآخر القزم) أو الجوهر القميء (الزوجة القبيحة النهمة للمال والنساء الأقرب إلى العاهرات). لكن أخطر رسائل الفيلم تلك التي نوهت، بشكل مباشر، إلى تواطؤ ضابط البوليس مع «الفار»، والإيحاء بأنه شريك في جرائم النصب، لكن يبدو أن الرقابة تدخلت وطالبت بإقالة الضابط الفاسد، وعينت بدلاً منه ضباطاً شرفاء!فشل محمد شومان، الممثل الذي كان واعداً، في تجسيد شخصية التاجر النصاب الذي يبيع ويشتري السلع من الإبرة للصاروخ، مثلما عجز المخرج علاء شاكر في فرض أسلوبه، وبصمته، وترك الجميع يترنح بقوة، ابتداء من الكبار: صبري عبد المنعم، مظهر أبو النجا، محمد متولي وعبد الله مشرف، وصولاً إلى الوجه الجديد بلال المصلحي، الذي يهيأ لي أنه قريب المنتج أو أحد أصدقائه المقربين، ولا تكاد تلمح تميزاً لأي من العناصر الفنية، سواء التصوير (محمود أو السعود) أو الموسيقى (باسم عبد العزيز) أو المونتاج (وائل السمنودي وتامر نور الدين) ورغم النهاية السعيدة، التي تتدخل فيها الأجهزة الأمنية للقبض على «الفار» فإن شعور المرارة لا يفارقك كمتفرج شارك في هذه «السبوبة»!