اليأس في دمشق
لا شك أن المسؤولين الروس- مهما ادّعوا أنهم يريدون مساعدة العالم على محاربة "داعش" فقط- يسعون إلى هدف رئيس واحد: دعم نظام حليفهم الرئيس السوري بشار الأسد، لكن أحد هذين الهدفين لا يلغي الآخر: فمن مصلحة موسكو أن تسحق المجموعات الإسلامية المتطرفة التي قد تنتشر في المناطق ذات الأكثرية المسلمة في جنوب روسيا، وفي مطلق الأحوال فإن حشدها الإمدادات العسكرية في سورية (فضلاً عن مبيعات أسلحة بمليارات الدولارات ومساعدة على مدى سنوات عدة) لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط جهد يائس للحفاظ على حصنها الأخير، علماً أن هذا الحصن متزعزع.ومن المؤكد أن تصوير فلاديمير بوتين كلاعب شطرنج محترف يعيد بدهاء بناء الإمبراطورية الروسية من خلال القوة والمناورات مثير للضحك، فسورية واحدة من دولتين فقط خارج الاتحاد السوفياتي السابق ما زالت روسيا تملك فيهما قاعدة عسكرية (الدولة الأخرى فيتنام، علماً أن منشأتها البحرية هناك في خليج كام رانه قد تقلصت كثيراً). كذلك تبين أن ضم بوتين القرم مكلف جداً من الناحية المالية، في حين أن مغامرته في شرق أوكرانيا تعطلت بعد أن تمكن من السيطرة على جزء صغير منها بكلفة 3000 جندي، أما خطته للاتحاد الاقتصادي الأوراسي الرامية إلى التصدي لنفوذ الاتحاد الأوروبي الغربي، فلم تبصر النور، وانهارت أيضاً صفقة الطاقة التي عقدها مع الصين والتي تهدف إلى موازنة العقوبات التي فرضها الغرب على الشركات الروسية.
تشير إحدى المدارس الفكرية إلى أن بوتين يبحث عن سبيل إلى العودة إلى المجتمع الدولي (يبدو أن العقوبات تلحق الضرر بأعوانه، بالإضافة إلى عدد من قطاعات الاقتصاد الروسي)، وأن خطواته في سورية، فضلاً عن الشائعات عن تبنيه خطاباً تصالحياً خلال الجلسة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة، تشكل جزءاً من حملته هذه، ولكن ما هذه في أفضل الأحوال إلا جزء من القصة: حتى لو انضم بوتين إلى القتال ضد "داعش" (وهذا يخدم مصلحته)، وحتى لو كان مستعداً للتخلي عن الأسد، يريد بالتأكيد أن يشارك في اختيار خلفه، ولا شك أن هذا سبب إضافي لإنزال المزيد من الجنود، والعتاد، والآليات على الأرض، أو ربما أهدافه تهكمية بالكامل.ولكن ثمة ثلاث مسائل مقلقة حقاً بشأن خطوة بوتين الأخيرة، حتى لو افترضنا أن نواياه ليست عدائية: أولاً، بعد التقارير الأولى عن انتقال الجنود والأسلحة الروس قبل أيام إلى سورية، أخبرني مسؤول بارز في الإدارة أنه سيشعر بالقلق إن شملت هذه الأسلحة صواريخ مضادة للطائرات، بما أن "داعش" والمجموعات السورية كليهما لا يملكان طائرات. وبعد يومين تبين أن هذه الأسلحة تشمل أسلحة مماثلة، إذاً، مَن ينوي الروس استهدافه؟ إن كانوا يرغبون في طمأنة الأسد بأنهم سيسقطون طائرات الولايات المتحدة، وتركيا، وإسرائيل، أو دول الخليج في حال حاولت قصف أصول الحكومة السورية (أو أهداف حزب الله)، فمن الضروري توضيح العواقب لبوتين وجنرالاته. ثانياً، إن انضم الروس إلى القتال ضد "داعش"، فمن المحتمل أن يحاربوا أيضاً الثوار المناهضين للأسد، بمن فيهم ثوار (منهم السوريون الأكراد) تدعمهم الولايات المتحدة، ولكن إن أردت روسيا حقاً نوعاً من الشراكة في هذه المسألة، فعليها أن تقبل بعدم تخطي بعض الخطوط الواضحة. حتى لو كان بوتين لا يريد أن يصبح شريكاً حقاً، فمن الضروري إعلامه بالخطوط التي يجب ألا يتخطاها، إن أراد ألا يستفز صراعاً أشمل معنا أو مع أي دولة أخرى.ثالثاً، من الممكن أن يؤدي دخول روسيا الحرب إلى تفاقم القتال ضد "داعش" بتحفيز موجات جديدة من المجاهدين، وخصوصاً من المنطقة المحيطة بالشيشان والدول ذات الأكثرية المسلمة على حدود روسيا الجنوبية التي يعود كرهها لموسكو إلى عقود من الخضوع خلال عهد الاتحاد السوفياتي. بكلمات أخرى، في ظل السيناريو الأفضل، قد تؤدي محاولة بوتين المساعدة إلى نتائج عكسية. حتى إن أيمن دين، محلل أمني سعودي المولد يألف جيداً صراعات المنطقة، يذهب إلى حد توقع أن "توسع مهمة روسيا في سورية لن يؤدي (لهذه الأسباب) إلا إلى نتائج كارثية في المنطقة وما بعدها".لا نرى عودة إلى الحرب الباردة العالمية بين الشرق والغرب، بل نشهد بدلاً من ذلك مضاعفات حرب أهلية طائفية إقليمية، وتُعتبر هذه الحرب بحد ذاتها معقدة ومأساوية جداً، ولا شك أن اختلاطهما كلتيهما سيزيد الطين بلة.* فريد كابلان | Fred Kaplan