أعرف أننا كتبنا كثيراً ومازلنا نكتب حتى لم يعد الحرف يكفي حجم الألم، ولا نجد سبباً مقنعاً ولا رداً كافياً من القائمين على العمل الرقابي. لا نعرف ما الحجة التي تلجأ إليها وزارة الإعلام في التصدي للكتاب، ومحاربة الجيد منه مقابل السماح للتافه والسطحي. ولأننا نؤمن بأن الكتاب عنوان حضارة الأمة، وما يتبقى للأمم وأجيالها هو تراثها الأدبي والفكري، وندرك أن محاولة منعه لن تنجح في الحد من انتشاره، ذلك ما أخبرنا بنا التاريخ.
ماذا يحدث لوطن كان منارة ثقافية للدول المجاورة وفشل في الحفاظ على نورها كملتقى للمثقفين والمفكرين العرب؟ ماذا يحدث لوطن كان جاذباً للمفكرين والأدباء والشعراء حين تضيق بهم أوطانهم فأصبح طارداً لأبنائه المبدعين وكأنهم خطر عليه؟ لا أحد يجد إجابة مقنعة لهذا التدهور الخطير لنتنازل عن كل مكاسبنا الثقافية وريادتنا دون سبب حقيقي أو منطق بالإمكان أن نستوعبه. ففي الوقت الذي نحاول فيه أن ندفع بمواهبنا الكتابية إلى الأمام تقف سلطة الرقابة للحد من مواهبهم وإحباطهم. ولأننا نؤمن بأنهم لن يتأثروا في هذا المنع الغريب والمريب لإبداعهم في وطنهم، إلا أننا لا نلومهم في حزنهم على ما آلت إليه الأمور.معرض الكتاب العربي في الكويت سيتوقف لو استمرت الرقابة المجحفة التي تطارد كلمة في رواية أو مقالاً في كتاب، سيتحول هذا المهرجان الثقافي الذي يحتفل بعامه الأربعين، والذي تضاءل في مقابل معارض أقل منه خبرة إلى "دكان" لبيع كتب التراث، وسيشعر بالغيرة والأسف وهو يرى معارض خليجية فاقته في احتفالها وبهجتها. وما حدث قبل أيام في معرض الشارقة كان من المفترض أن يجعلنا نشعر بالخجل ونحن نرى هذا المعرض الجميل يشيخ ويعجز عن مواكبة زمن يبدو أنه ليس زمنه.ما يؤلمنا أكثر هو أن تتعرض كتابات الشباب الكويتيين لرقابة أكثر تعسفاً رغم قناعتنا أن هذه الإبداعات تنال الثناء والانتشار في الدول الخليجية الأخرى، ليس في معارضها فقط إنما في مكتباتها. وبقي كل طموحنا أن ترفع الرقابة عن معرض الكتاب. من المؤلم أن ينتقل الروائي والشاعر الكويتي بكتبه إلى معارض الشارقة والبحرين والرياض بينما تحجب في وطنه. والمفارقة أننا نتحدث عن مجتمع أكثر انفتاحاً وتعددية وديمقراطية مقارنة بغيرنا، والتعسف في الرقابة الإبداعية يجعلنا نتراجع عن هذه الميزات التي نفاخر بها.هذه الكتب التي يتم منعها هي كتب إبداعية، ولأننا نعلم أن اللجنة التي تشرف على الفسح والمنع لا تضم كتاباً يمارسون هذه الكتابة، فالمطلوب حل هذه اللجنة، وأن يوكل الأمر إلى الكتاب أنفسهم، وإذا لم يتم ذلك فسأطرح حلاً ربما لا توافق عليه دور النشر العربية لظروفها التي نتفهمها، ولكن على دور النشر الكويتية والخليجية أن تفعله كردة فعل لما ترتكبه الرقابة بحقها. الحل هو أن تشارك هذه الدور بأرفف خالية تضع عليها لافتات "جميع الكتب ممنوعة". سيساعد ذلك في اتخاذ موقف مناصرة لكتابنا، فالمنع حالياً لا يقتصر على كاتب واحد أو كتاب وحيد إنما شمل معظم الكتب الأدبية الجادة، ونصيب المبدعين الشباب من المنع هو الأكبر.
توابل - مزاج
وطن يطارد مبدعيه
08-11-2015