يوضح عماد أبو غازي، وزير الثقافة المصري الأسبق، أن أزمة الثقافة في مصر والوطن العربي، عموماً، تنعكس لا محالة على القطاعات والشرائح المندرجة تحت المظلات الإبداعية، ومنها «الأطفال»، وأن المثير للعجب توافر خبرات وحقائق عملية عن الطفولة، «لكن استفادتنا منها محدودة، وثمة إهمال من الدولة في استثمار إمكانات أجيالها الناشئة، وبعد وقت قليل سيتأكد لنا أن أطفالنا بمعزل عن قدرات أطفال العالم».

Ad

 يضيف: «يدرك العاملون في الحقل الثقافي مقولة الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو «اعرفوا الطفولة»، فتلك الأجيال الناشئة تمر في مرحلة نموها بمنحنيات تتشرّب فيها قيماً ثقافية، لكن حينما يكون الأمر «مدروساً وممنهجاً» يصبح للبلاد شأن آخر على المستوى البعيد، لذا علينا عدم ترك الأطفال فريسة الاكتساب العشوائي لأنماط سلوكية ضارة تنتشر في غياب تثقيف حقيقي للطفل» .

 يتابع: {لا تقتصر الثقافة على الجهود الرسمية للدولة، إنما هي مسؤولية متكاملة تشترك فيها الأسرة والمسجد والكنيسة والجيران إلى جانب المدرسة والجامعة والمكتبة وقصور الثقافة}، مطالباً بتطوير منظومة التثقيف التي تستهدف الأطفال وعدم اقتصارها على إكسابهم العلوم والمعارف فحسب، إنما مراعاة أبعاد وأسس واضحة يضعها علماء النفس والاجتماع، ما يساعد على توافر مناهج وبدائل في التعامل مع أطفال غير متساوين في طبيعة مدركاتهم وطرق استيعابهم الأمور.

أخطاء شائعة

يرى علي أبو ليلة، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن من الأخطاء الشائعة حصر عملية التثقيف بفئات عمرية وتقسيمها وفقاً لذلك، {قد يكون هذا التصنيف مفيداً لإصدارات الكتب وطبيعة مضامينها، لكن لا يجوز بناء خطط للتنمية الإبداعية وفقاً لعمر معين، لأنها عملية لا تتوقف، وتعلم الدولة جيداً أن التأسيس المعرفي الجيد في الصغر، يسهم بشكل حاسم في بناء الشخصية مستقبلا، وأعرف دولا تعتبر {عناصرها البشرية} ثروة تستثمر فيها بالإعداد الجيد من شتّى النواحي الاجتماعية، النفسية، العقلية وبالطبع الثقافية}.

يضيف: {تواجهنامجموعة من الأسئلة المهمة في حقل تثقيف الأطفال، أهمها هل تنظر الدولة إلى الأطفال باعتبار أن عالمهم مختلف ولهم معطيات خاصة ومدّخلات حصرية بهم، أم أنهم نماذج مصغرة أو صور مصغرة عن الكبار أم غير ذلك؟ ذلك كله يساعدنا في وضع رؤية استباقية للدولة في تعاملها مع أشخاصها قبل وضع رؤية لتثقيف هؤلاء الأفراد}. يتابع: {السؤال الحتمي هو كيفية تجنب تنميط العقول وقولبتها، واحترام حقوق الأطفال في أن ينشأوا بشكل حر ويكبروا بمرونة تسمح لهم بألا يكونوا طبق الأصل عن واضعي مناهج التواصل معهم إبداعياً وثقافياً، وبالتالي لا يتحكم نظام ما في عقول أفراده بدرجة تضر بالجميع وتقتل في داخلهم الإبداع، وهو مردود عكسي عما يراد من وظيفة التثقيف والتأهيل المعرفي للأطفال}، مشيراً إلى ما وصفه بـ{محدد هام} إن أردنا تثقيف الأطفال، وهو خلق بيئة مناسبة حولهم لتهيئتهم معرفياً، فدون ذلك مصير أي جهود وخطط هو {الفشل».

جريمة بحق الأجيال

يميز الكاتب والروائي مكاوي سعيد بين تثقيف الطفل وما يتلقى من مناهج دراسية تعليمية، يتم تفعيلها بناء على تطبيق دول أخرى لها من دون أدنى مراعاة لاختلاف السياق والظروف الحضارية، وكل ما يتعلق بالسياسة والاجتماع والاقتصاد هنا وهناك، واصفاً ما يحدث بحق الأجيال الناشئة بـ{الجريمة}.

يضيف أنه خصص جزءاً من منتجه الأدبي للأطفال {كونهم يشكلون صلب نجاح أي مجتمع في الميادين المختلفة}، ومؤكداً أن {أولى خطوات التثقيف الصحيح للطفل المصري أو العربي إجراء {دراسات تتبعية إحصائية تحليلية} لقضايا الأطفال ومشكلاتهم، من العبث الحديث عن دور تثقيفي في ظل وجود الآلاف من الأطفال {المشردين} في الشوارع، أو يعملون بمهن مرعبة رغم صغر سنهم}.

يتابع: {بعد تفنيد تلك المشكلات وحاجات الأطفال، ننشّط دور مجالس غير رسمية، فالرسمي منها وما أكثره في بلادنا أثبت أنه مجرد {مسميات} لا أكثر، ويجب أن يكون التعويل كبيراً على الدور الشعبي والأهلي وخطط الأدباء، لا على المسؤولين}.

يشير إلى أن الجهات غير الرسمية ستنجح أكثر من غيرها في رصد سليم لمجتمع الأطفال من دون مبالغات أو زيف، {للأطفال في المجتمعات رصيد لغوي خاص وأنماط سلوكية معينة يجب رصدها جيداً ليتم البناء عليها بشكل صحيح، وأرى أن ثمة أهمية بالغة لكسر المركزية إن أردنا الوصول إلى الأطفال}.

يعدد مكاوي طرقاً تضمن تثقيفاً مثالياً للأطفال أيضاً، ويكون ذلك عبر قصور ثقافة المحافظات ومكتبات القرى ومسارح الشوارع، وعبر استراتيجيات تقوم على آليات تنشئة تغذي مهارة الاكتشاف وتخلق مهارات تربطها بالرياضة والموسيقى والسينما وهي تركيبة متصلة بتثقيف الطفل.