تجربتي في الكويت
عزيزٌ علي وأنا أغادر تلك الأرض الطيبة، أن أرى يداً آثمة تمتد إليها لتروع الآمنين وتقتل الأبرياء وهم بين يدي الله تعالى ساجدين، في محاولة يائسة لجرها إلى الفتنة وشق الصف، لكن رب ضارة نافعة، وبالشدائد يختبر الرجال.أتيت إلى هذه الأرض الطيبة منذ نحو عقدين، وها هو قطار السفر يكاد يوصلني إلى محطته الأخيرة بعد قرار اتخذته بهذا الشأن، لأعود إلى مصر وطني الأول، لأتابع من هناك أخبار الكويت بلهفة وشوق يشبهان ما عشته تجاه بلدي عندما أتيت إلى هنا أول مرة.
ما أسرع الأيام، تمر سريعاً لا تلوي على شيء، وكأن قدومي إلى الكويت كان منذ أيام، فقد أتيت إليها شاباً في مقتبل العمر، وها أنا أنصرف عنها على أعتاب الكهولة، بعدما علمتني الأيام تجارب لا تنسى، ودروساً لم يكن المرء ليتعلمها لو لم يخض تلك التجربة الثرية.تجربتي بحمد الله كانت ناجحة، لم أذق فيها ما كنت أسمع عنها من مصاعب الغربة ومآسيها، بل وجدت منذ قدومي إلى هنا أنني في بلدي الثاني، وشعرت بمعنى الوحدة والتآخي والترابط، وكان من توفيق الله تعالى لي، أن اتسعت لي صدور من لا أعرفهم، فجاءتني الفرصة كي أعمل في واحدة من أرفع الدوائر في الكويت، فكان أن عملت في ديوان سمو ولي العهد حفظه الله ورعاه. خمسة عشر عاماً قضيتها في الديوان، قابلت شخصيات رفيعة ومسؤولين كباراً، تعلمت منهم أن المرء كلما سما تواضع، وكلما ارتفع لان جانبه، وأن الكِبْر ضد الكِبَر.عندما تشرفت بالسلام على سمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد، رأيت رأي العين، دماثة خلق سموه واتساع صدره وجم تواضعه وإخلاصه وتفانيه في خدمة الكويت، وكذلك رئيس ديوانه الشيخ مبارك فيصل السعود المتّقد نشاطاً، والسمح أخلاقاً، والذي يدير الديوان بخبرة منقطعة النظير بعقلية حكيمٍ وحماسة محبٍّ وإخلاص متفانٍ.وقبلها بسنوات، رأيت رأي العين كيف كان يتعامل وزير شؤون الديوان الأميري الشيخ ناصر صباح الأحمد، حينما كان المستشار الخاص للأمير الوالد الشيخ سعد، رحمه الله، عندما كان ولياً للعهد، وكيف كانت علاقته بمن حوله، رأيت أخلاقه العالية وتواضعه الجم وسماحته التي كان يشهد بها كل من عمل معه، كما تشرفت في تلك الآونة بالعمل في المكتب ذاته مع الشيخ ثامر جابر الأحمد (سفير الكويت لدى السعودية حاليا)، ورأيت تواضعه وسماحته، فضلاً عن الشيخ فيصل الحمود (محافظ الفروانية الحالي) وكنا ننبهر بمدى ما يتمتع به من لباقة ولياقة، إلى جانب الشيخ خالد محمد الخالد، بشبابه الغض المتحمس ووعيه وثقافته.كما لا أنسى لحظة الفراق والأسى التي عاشها موظفو الديوان حينما فقدنا قامة كبيرة مثل وكيل الديوان للشؤون الإعلامية الشيخ مبارك الحمود السلمان، فضلاً عن زملاء أعزاء كنا نتمنى لو امتد بهم العمر لما كان لديهم من حسن أخلاق وطيب معشر، فقد كانوا نعم الرجال المخلصون والمتفانون في عملهم رحمة الله عليهم جميعاً.وأخيراً كل الشكر لجميع من عملت معهم، وليسامحني من كنت قد أسأت إليه عن غير عمد، وتمنياتي للجميع بأيام هانئة سعيدة، عاشت الكويت وطناً آمناً، وحضناً دافئاً، وصدراً حنوناً لكل من يعيش على أرضها، وحفظها الله من كل مكروه وسوء.