«رابعة» في ذكراها الثانية

نشر في 16-08-2015
آخر تحديث 16-08-2015 | 00:01
 ياسر عبد العزيز  حلت أمس الأول الجمعة، الذكرى الثانية لفض تجمعي «رابعة العدوية» و«النهضة»، وهو الفض الذي تلا إسقاط حكم «الإخوان»، وأدى إلى سقوط مئات القتلى والجرحى بين صفوف المتجمعين وقوى الأمن والمدنيين.

يهيمن على مصر طقس شديد الحرارة في تلك الأثناء، أثّر سلباً في نمط حياة الكثير من المصريين، لكن مع ذلك فإن قطاعات كبيرة من المواطنين تعيش أصداء فعاليات الافتتاح الكبير للتوسعات في قناة السويس، وهي الفعاليات التي جرت في يوم 6 أغسطس الجاري.

ثمة تباينات كبيرة بين المصريين بصدد جدوى مشروع القناة، وقدرته على قيادة الأنشطة التنموية في البلاد، ومع ذلك، يمكن القول إن القطاعات الغالبة بين الجمهور متفائلة بقدرة هذا المشروع على تحقيق الاختراق الاقتصادي والسياسي.

سيبقى أمام النظام المصري أن يبرهن على الجدوى الاستثمارية للمشروع، وأن ينجز توسعاته الاستراتيجية المتمثلة بتنمية محور القناة بأكمله كما هو مُخطط، بشكل يجعل المواطن العادي يشعر بثمرات هذا الإنجاز، فضلاً عن المضي قدماً في مشروعات أخرى مثل زراعة المليون فدان، وتطوير الطرق، وبناء المليون وحدة سكنية، والعاصمة الإدارية، وإصلاح الجهاز الإداري.

لكن ثمة استحقاقات سياسية وحقوقية لا تقل أهمية عن تلك الإنجازات والتطلعات المادية المهمة والضرورية؛ يأتي على رأس تلك الاستحقاقات إجراء الانتخابات البرلمانية قبل نهاية العام الجاري كما وعد الرئيس السيسي، وهي الانتخابات التي تكتمل بإنجازها خطوات «خريطة الطريق» الثلاث التي تعهد بها الأخير، في 3 يوليو 2013، حين أعلن إطاحة حكم تنظيم «الإخوان»، في أعقاب انتفاضة ثورية ضخمة، تحالفت فيها القطاعات الغالبة من الجمهور مع مؤسسات الدولة ومعظم الإعلام والمجتمع المدني والأحزاب السياسية.

ويبقى النظام المصري الحالي أيضاً مطالباً بمعالجة الكثير من الاحتقانات والأوضاع الحقوقية السلبية التي تفاقمت في ظل الهجمة الإرهابية الشرسة التي تواجهها البلاد، بما يتضمنه ذلك من إصلاحات تشريعية وسياسات ضرورية يجب أن تتبناها أجهزة العدالة ومرفق الأمن.

وبموازاة هذا الوضع المفعم بالتحديات والآمال، فقد حلت أمس الأول الجمعة، الذكرى الثانية لفض تجمعي «رابعة العدوية» و»النهضة»، وهو الفض الذي تلا إسقاط حكم «الإخوان»، وأدى إلى سقوط مئات القتلى والجرحى بين صفوف المتجمعين وقوى الأمن والمدنيين.

لقد تحولت «رابعة» إلى شعار يتبناه تنظيم «الإخوان» والجماعات الإرهابية والتكفيرية المتحالفة معه، وهو شعار يستند إلى مظلومية مزعومة مفادها أن «عقيدة قتل» تكونت لدى سلطات «مسار 30 يونيو»، وأدت إلى سقوط ضحايا بين صفوف المتجمعين في ميدانين من ميادين القاهرة، في مثل هذا الوقت قبل عامين.

وفي الأسبوع الماضي، صدر عن تنظيم «الإخوان» وحلفائه ما سُمي بـ»نداء الكنانة»، وهو عبارة عن بيان وقع عليه عشرات من أعضاء تنظيمات الإسلام السياسي، الذين وصفوا أنفسهم بأنهم «علماء الأمة».

وأبرز ما جاء في هذا النداء كان محاولة تحويل «ذكرى رابعة» إلى شرارة لبدء «حرب دينية»، تحت دعوى أن «الدفاع عن النفس والعرض والمال حق مشروع وواجب شرعي ضد المجرمين والقتلة من أعضاء النظام الحالي ومن يساندهم من إعلاميين وسياسيين».

ويذهب هذا النداء أيضاً إلى اعتبار أن «أحكام الإعدام بحق الرئيس مرسي والإخوان تأتي في سياق محاربة الدين»، وهو أمر يأخذ الصراع السياسي في مصر إلى منحى ديني، ويهدد بإشعال النزعات الإرهابية استناداً إلى المظلومية المدعاة من جهة وإلى «الذود عن الدين» من جهة أخرى.

لقد رد الأزهر الشريف يوم الثلاثاء الماضي على «نداء الكنانة» ببيان أسماه «بيان المحروسة»، وهو البيان الذي سعى إلى تفنيد دعاوى المظلومية «الإخوانية»، والدفاع عن موقف الأزهر ومؤسسة الإفتاء في تلك الأزمة.

وقبل شهور، كان المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، وهو جهة حقوقية مستقلة معتبرة، قد أصدر تقريراً بخصوص «تجمع رابعة»، وهو التقرير الذي بدا متوازناً ودقيقاً بدرجة تسمح لكل من يطلع عليه بمعرفة حقائق ما جرى وتدقيق وقائعه بشكل منهجي وموثق وعادل.

أهم ما توصل إليه التقرير أن التجمع الذي بدأ سلمياً تحول إلى «اعتصام مسلح»، بعدما انضم إليه مسلحون بمعرفة «الإدارة»، وأن هؤلاء المسلحين بادروا بإطلاق النار ضد قوات الأمن، حيث كان أول قتيل في عملية الفض ضابطاً من ذوي الرتب العالية.

وأبرز التقرير أن عملية الفض قد جاءت في إطار سعي الحكومة إلى تطبيق وإعمال القوانين المصرية على جزء من إقليم الجمهورية، بعد أن أعطت مهلة للتفاوض مع المعارضين المعتصمين قدرت بـ47 يوماً.

وأشار التقرير إلى أن قوات الأمن المكلفة بتنفيذ عملية إخلاء الميدان، قد التزمت بتوجيه نداء للمعتصمين عبر مكبرات صوت، تطالبهم بإخلاء الميدان ووجود ممر آمن لهم، إلا أنها قد سارعت في بدء تنفيذ الاقتحام بعد 25 دقيقة فقط من النداء، وهو وقت غير كافٍ لخروج آلاف المعتصمين في الساعات الأولى من اليوم، ولا يقدح في ذلك تعرض قوات الأمن لاستفزاز من المعتصمين، ولا رغبتها في إنهاء العملية في أسرع وقت، قبل انضمام آخرين للتجمع.

وأوضح التقرير أيضاً أن قوات الأمن المنفذة لعملية الاقتحام وإن توافرت لها حالة الضرورة في استخدام الأسلحة النارية، وحافظت على التناسب النوعي بين الأسلحة المستخدمة، فإنها أخفقت في الحفاظ على التناسب في كثافة الإطلاق على مصادر النار من العناصر المسلحة، التي كانت تتحرك وتطلق النار من بين المعتصمين، بما يمكن وصفه باستخدامهم المعتصمين كـ»دروع بشرية»، جعلتهم في مرمى نار قوات الأمن طول فترات الاشتباكات.

تلك إذاً وقائع نزاع سياسي، اتخذ منحى دموياً في إحدى محطاته، بعد أخطاء متبادلة بين الفريقين المتصارعين، وهو أمر يجب أن يخضع لتحقيق نزيه، ويجب أن يفضي إلى مساءلة وعقوبات بحق المخطئين.

لكن الأكيد أن تلك الوقائع ليس لها علاقة بالدين كما يزعم «نداء الكنانة»، وكما يرد بعض أنصار «مسار 30 يونيو» في مصر، والأرجح أن تلك الذكرى ستمر كسابقتها على الشعب المصري من دون تغيير جوهري، في ظل هذا الحر الشديد، وهذا التحفز المشوب بالأمل لدى قطاعات كبيرة من المصريين، الذين يريدون تجاوز الماضي وبناء دولتهم من جديد.

* كاتب مصري

back to top