في يوم من الأيام، وبعد أن تضاربت في "نافوخي" المذاهب الفكرية، قررت أن أعتنق مذهباً فكرياً واحداً فقط لا غير، ولكني سأعتنقه بعد تجربته أولاً وبشكل عملي لا نظريٍّ، على مدار الأسبوع.

Ad

يوم السبت: قررت أن أصبح ليبرالياً، نزلت صباحاً وإذا بمتسول يمد يده نحوي: حسنة لله يا محسنين، والله لي ثلاثة أيام ما أكلت لقمة!، هززت رأسي باستغراب، وقلت له: برافو إرادتك الحرة عجيبة! ممكن تعطيني اسم دكتور الريجيم الذي رسم لك برنامج تخسيسك الرائع! ومشيت بعدها ولم أعطه شيئاً. يوم الأحد: قررت أن أكون متأسلماً، فخرجت من الطريق ذاته لأجد المتسول نفسه يمد ذات اليد باتجاهي، أخرجت هاتفي بسرعة لآخذ معه "سيلفي" وعلقت تحت الصورة: انظروا كيف يعاني إخوانكم الأهوال في جزر "الواق واق"!، ثم انشغلت بكتابة رقم الحساب البنكي تحت الصورة، تاركاً صاحبنا المتسول وحيداً.

يوم الاثنين: قررت أن أصبح شيوعياً، وصرت أشرح لأخينا المتسول في ربع ساعة كيف أن "الدِّين أفيون الشعوب"، داعياً إياه إلى اجتماعات قهوة "ماو" لنشرب معاً "راس شيشة تفاح سيبيري" ونحلي بحلوى "فاريكيني كييفي" و" لنمخمخ" لعمل ثوري يعلي من شأن حقوق كل معدمي البروليتاريا، بعدها نظرت في ساعتي الرولكس واستأذنت الرفيق شحاذ لأَنِّي متأخر على موعد المساج، وودعته لأركب سيارتي الفاخرة ولم أعطه شيئاً.

يوم الثلاثاء: قررت أن أكون حداثياً، وشرحت للمتسول كيف أن لون قميصه الأشهب لا يتناسب مع لون شعره الغجري المنكوش، وأن حذاءه القديم جميل، ولكنه لا يناسب موضة بنطلونه الممزق، ثم أبديت إعجابي بلحيته "الديرتي" المميزة التي تناسب موضة ما بعد الحداثة، صفقت للحيته "الديرتي" وتركته للحال الديرتي، ثم رحلت تاركاً إياه خالي الوفاض.  يوم الأربعاء، أصبحت فاشياً، صرخت بعرق جبين المتسول بكل أوتار حنجرة "فاغنر"، وتفاخرت عليه بعرق جبيني ذي الحسب والنسب، ثم أمرته أن يفارق شارعنا المتفوق ويبحث عن شارع آخر يناسب عرق جبينه الأدنى، طردته من شارعنا شر طردة ثم جلست على أطلال بؤسه لأكتب، كتبت قصيدة عصماء تشرح للأجيال القادمة كيف انتصرت وحدي على جموع برابرة الرصيف، وكيف صرعت عشرة آلاف منهم بطرف إصبعي وأسرت خمسين ألفاً منهم بطرف رمشي.

يوم الخميس، قررت أن أصبح إنساناً، مررت على ديار المتسول، تصدَّق هو علي أولاً بابتسامة أمل قبل أن أتصدق عليه بدوري "بما قسم" من المال، بكى عندما رأى المال وبكيت عندما رأيت الأمل يشع من عينيه... في النهاية رحلت بعد أن أعطيته شيئاً، وبقي هو بعد أن أعطاني كل شيء.

وأخيراً وذات جمعة: قررت أن أكون جواهرجي الفكر، نزعت آخر أوراق روزنامة الأسبوع، وكتبت عليها من الخلف: لكل الأفكار مذاهب، ولكن الإنسانية وحدها ستبقى الذهب الوحيد الذي يلمع تحت الشمس.