في 2 أبريل 2013 صدر مرسوم تأسيس الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة برأسمال يبلغ ملياري دينار.

Ad

وفي 31 أغسطس 2015 أعلن رئيس الصندوق الدكتور محمد الزهير، أن الانطلاقة الرسمية لعمل الصندوق ستكون في نهاية أكتوبر المقبل مع انعقاد المؤتمر السنوي الأول للصندوق، يعقبها عملية مسح لجميع المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومنشآتها تستمر حتى يونيو المقبل، ثم ندخل في عملية «الاحتضان والتدريب»، وبعد ذلك تأتي عملية التمويل بعد عامين على الأقل!

أي أن بين مرسوم التأسيس وانطلاق العمل الفعلي (التمويل) ما يزيد على 4 سنوات من أعمال البيروقراطية الحكومية الخاصة بوضع اللائحة التنفيذية، التي بات إعدادها يستهلك سنوات من عمر أي جهاز تنفيذي في الدولة، إلى جانب مراحل وعمليات تؤخر إطلاق العمليات الأساسية للصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهي التمويل وتوفير أراضٍ للمستثمرين وتسهيل إجراءاتهم في الجهات الحكومية.

الضرورة والاستعجال

ربما يقول قائل، أليس تأسيس جهاز تمويلي كصندوق المشروعات الصغيرة يتطلب بعض الوقت لضمان سير العمليات وفقاً لأهدافه... فلِم الاستعجال؟

السؤال أعلاه يمكن أن يكون مقبولاً لو أن الكويت كانت جديدة على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فلدينا ممارسات سابقة في هذا النوع من المشروعات، إذ أطلقت الهيئة العامة للاستثمار منتصف تسعينيات القرن الماضي شركة تابعة للمشروعات الصغيرة، وبعدها أسس البنك الصناعي محفظة لتمويل هذه النوعية من المشروعات أيضاً، وبالتالي فلا بد أن هناك ممارسة وخبرة ودروساً لتلافي الفشل، لأن الصندوق جاء أصلاً لتغطية الثغرات التي وقعت فيها الشركة ومحفظة التمويل.

 البدء من الصفر مجدداً، رغم توافر الخبرة السابقة، أمر غير مفهوم، ويشير إلى عدم فهم لحاجة الكويت إلى المشروعات الصغيرة والمتوسطة، خصوصاً في زمن انخفاض إيرادات النفط وتنامي الصرف في الميزانية، فأحد أهم أسباب تأسيس صندوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة هو إيجاد بيئة عمل للشباب الكويتيين خارج الحكومة، لتخفيف العبء عن الميزانية العامة، التي تستهلك الرواتب والأجور على نحو 50 في المئة منها، بما يوازي 9.9 مليارات دينار.

 وعليه فإن هذه النوعية من المشروعات تسهم في تخفيف عبء التوظيف الحكومي مما يخفف من الضغط على الموازنة العامة، إلى جانب أنها ستوفر في السوق فرصاً ومنتجات لا توفرها الحكومة ولا الشركات الكبرى، ومن ثم ستكون هناك بيئة جيدة للأفكار الجديدة في السوق الكويتي، وستتحقق الاستفادة للشباب والحكومة والقطاع الخاص.

وبالتالي فإن المشروعات الصغيرة والمتوسطة ليست ترفاً لتتحمل التأخير مدة تتجاوز 4 سنوات، معظمها بسبب إجراءات بيروقراطية، وليس مثلاً لحل ندرة الأراضي اللازمة لإقامة المشروعات الصغيرة، خصوصاً الحرفية منها أو إيجاد حلول لعوائق وتعقيدات الجهات الحكومية، فهذه الملفات بكل تأكيد أهم من «المؤتمر والمسح والاحتضان والتدريب»، وهي عبارات مطاطة تخفي داخلها الكثير من مخاوف البيروقراطية والتأخير.

سوق العمل والشباب

الدولة توظف حالياً في كل سنة نحو 20 ألف موظف جديد، وحتى الآن لا توجد أزمة بطالة حقيقية في المجتمع الكويتي، إلا أن الأرقام المستقبلية تشير إلى أن الطلب على العمل خلال السنوات المقبلة سيبلغ نحو 3 أضعاف العدد الحالي، أي 60 ألف وظيفة سنوياً، وهو أمر خطير جداً في ظل تراجع أسعار النفط، وعدم قدرة الدولة على تنويع إيراداتها أو تحفيز سوق العمل، ما يعني أن مخاطر الضغط على الميزانية لتلبية احتياجات التوظيف ستزداد إلى أن تحدث أزمة بطالة حقيقية أو عجز عن السداد.

فإذا علمنا أن 60 في المئة من الكويتيين دون سن 24 عاماً فإننا نتحدث عن قوة عمل قادمة إلى السوق لن يتحملها القطاع الحكومي المتضخم أصلاً، ولا القطاع الخاص الذي لا يوظف حالياً أكثر من 10 في المئة من إجمالي قوة العمل الكويتية، وبالتالي فإن وجود مناخات جديدة في سوق العمل كالمشاريع الصغيرة والمتوسطة ستستوعب جزءاً مهماً من شريحة الشباب، بما يخفف العبء عن الدولة على المديين المتوسط والطويل بالتوافق مع دوران عجلة التمويل للصندوق.

أحد مبررات التأخير الخاصة بالصندوق هي لضمان «حماية المال العام من توجيهه إلى غير الأكفاء القادرين على الاستثمار الناجح»، وهذا العذر، رغم وجاهته، فإنه ليس مبرراً للتأخير، لأن حماية المال العام ستكون واجبة قبل انطلاق عمليات التمويل وبعده، ثم إن القانون واللائحة التنفيذية يفترض أنهما قد وضعا الأساس الخاص بحماية المال العام، وأصبح هذا الأمر جزءاً من الماضي وليس ما ترغب إدارة الصندوق في استكماله مستقبلاً.

أساس الاقتصاد

في معظم اقتصاديات دول العالم تعتبر المشاريع الصغيرة والمتوسطة هي الأساس لتوفير فرص العمل، بل لتمويل الميزانية العامة عبر الضرائب، وهي أساس الخدمات في السوق، لذلك يمكن القول إن الاقتصاد الحقيقي الإنتاجي يقوم على المشاريع الصغيرة، لكن في الكويت يوجد العديد من المعوقات التي تحد أو تعرقل هذا النوع من المشاريع، كصعوبة التمويل، والأصعب منها الحصول على أرض لإقامة المشروع، رغم وجود سيل من الأفكار الشبابية الإبداعية في مختلف القطاعات، لاسيما الخدمية والصناعية والتكنولوجية وغيرها، وبالتالي من غير المقبول أن يكون الصندوق المنوط به مسؤولية وضع القواعد التي تسهل إطلاق هذه النوعية من المشاريع أحد العوائق المعرقلة لها.

كلما تأخرنا في إطلاق المشاريع الصغيرة والمتوسطة كانت التكلفة في المستقبل أكبر، لا سيما أن الكلفة على الميزانية تتصاعد، والحاجة إلى وجود بديل يستقطب الشباب تتعاظم كل يوم أكثر مما مضى.