«الانقلاب آت»!
في نوفمبر وديسمبر من العام 2013 ومطلع يناير 2014 وقع الناقد سمير فريد، بوصفه رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، اتفاقات تعاون مع جمعية نقاد السينما المصريين (مثلها محسن ويفي رئيس الجمعية)، اتحاد طلبة المعهد العالي للسينما (مثلته د. غادة جبارة رائد الاتحاد) ونقابة المهن السينمائيين (مثلها مسعد فودة نقيب السينمائيين)، تقضي بتنظيم برامج موازية في إطار الدورة 36 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي (9 – 18 نوفمبر 2014) هي: «أسبوع النقاد الدولي» وتنظمه جمعية نقاد السينما المصريين، «سينما الغد الدولي» وينظمه اتحاد طلبة المعهد العالي للسينما و»آفاق السينما العربية» وتنظمه نقابة المهن السينمائية، وأعلن «فريد» في حوار صحافي، أن «الفكرة تقليد متبع في المهرجانات الكبرى»، وأنه استهدف من تدشينها «طرح وجهات نظر متنوعة، بحيث لا يفرض ذوقه أو ذوق المدير الفني للمهرجان على الجمهور، بالإضافة إلى خلق حالة من الاتزان والتنوع في الأفلام»، مؤكداً عدم تدخل إدارته في اختيارات القيمون على البرامج الموازية.هنا أتوقف عند أهم ما نصت عليه بنود الاتفاقات الثلاث، وهو البند الخاص بالتزام الطرف الأول (مهرجان القاهرة السينمائي) بتقديم دعم نقدي للطرف الثاني (مديرو البرامج الموازية الثلاثة) قدره 50 ألف جنيه مصري (حوالي سبعة آلاف دولار) للمساهمة في تكاليف البرنامج، كما يتحمل الطرف الأول تكاليف سفر وإقامة الضيوف الذين يختارهم الطرف الثاني بمن في ذلك رئيس وأعضاء لجنة التحكيم ويتحمل – الطرف الأول – تكاليف شحن وإعادة شحن نسخ العرض والتأمين عليها كما يتحمل تكاليف القيمة المالية للجوائز التي تمنحها البرامج الموازية، والتي تبلغ قيمتها الإجمالية مئتي ألف جنيه!
هكذا سارت الأمور في الدورة 36 والتزمت إدارة مهرجان القاهرة السينمائي بتعهداتها تجاه الأطراف الثلاثة لكن مع رحيل الناقد سمير فريد، بعد إصراره على الاستقالة من منصبه كرئيس للمهرجان، وتعيين د. ماجدة واصف خلفاً له، ومعها الناقد الكبير يوسف شريف رزق الله الذي تولى منصب المدير الفني للمهرجان، بدا وكأن خللاً اعترى العلاقة بين إدارة المهرجان ومديرو البرامج الموازية، فالميزانية الضعيفة للدورة 37 لم تتحمل كلفة سفر وإقامة 75 شخصاً (25 ضيفا على برنامج «آفاق السينما العربية»، 15 ضيفا على برنامج «أسبوع النقاد الدولي» و35 ضيفا على برنامج «سينما الغد الدولية») بالإضافة إلى 9 أشخاص هم رؤساء وأعضاء لجان التحكيم الثلاث، مثلما عجزت عن تحمل تكاليف القيمة المالية لجوائز البرامج الموازية، والتي تبلغ قيمتها الإجمالية مائتي ألف جنيه، فكان قرار د.ماجدة واصف رئيس المهرجان، ورزق الله مديره الفني، بتخفيض عدد ضيوف البرامج الموازية، والاكتفاء بالجوائز العينية وإلغاء الجوائز المادية، خصوصاً أن جوائز المسابقة الرسمية (الهرم الذهبي لأحسن فيلم، الهرم الفضي (جائزة لجنة التحكيم الخاصة)، الهرم البرونزي لأحسن عمل أول أو ثان، جائزة نجيب محفوظ لأحسن سيناريو، بالإضافة إلى جائزتي التمثيل وجائزة أحسن إسهام فني) ليست مادية بل معنوية أيضاً. بالطبع أثار قرار تخفيض عدد الضيوف، وإلغاء الجوائز المالية، غضب بعض مديري البرامج الموازية، وانفعل بعضهم، وهاجم بطرف خفي الإدارة الحالية للمهرجان، وراح يُقارن بين الدورة 36، التي ترأسها الناقد الكبير سمير فريد، والدورة 37، التي ترأستهاد. ماجدة واصف، ووظف الصور الفوتوغرافية كوسيلة للتأكيد على أن البرامج الموازية كانت تتمتع باحترام واستقلالية وحرية أكثر في عهد الناقد سمير فريد، ومع نهاية أعمال الدورة 37 لم ينس التنويه إلى أن «البرامج الموازية أنقذت المهرجان العجوز»!على الجانب الآخر لا يمكن إنكار أن ثمة انزعاجاً لدى الإدارة الجديدة لمهرجان القاهرة السينمائي من الهجوم العلني والخفي على مواقفها وقراراتها الناتجة عن رغبتها في مواجهة أزمة مالية تعصف بالمهرجان، وتسعى إلى التغلب عليها بالاتجاه إلى «التقشف» واتباع سياسة «شد الأحزمة على البطون»، وهو ما أثار حفيظة البعض، ممن أبى المساس بالمكتسبات التي تحصل عليها في الدورة الماضية، بالإضافة إلى الاختلاف الواضح في الرؤى بينه والإدارة الجديدة للمهرجان.لا أبالغ عندما أسجل مخاوفي من وقوع صدام، مؤجل لكنه قريب، بين الإدارة الحالية لمهرجان القاهرة السينمائي وبعض مديري البرامج الموازية، ممن تتملكهم الرغبة في بقاء الوضع على ما هو عليه، أي من دون المساس من قريب أو بعيد باتفاقات التعاون الموقعة مع الناقد سمير فريد، بينما ثمة من يرى أن تلك الاتفاقات في حاجة إلى تعديل يواكب الظروف الاقتصادية الراهنة، وكل خوفي أن يُفضي التعديل إلى «تمرد» ثم «انقلاب» يتم بعده إعلان «استقلال البرامج الموازية» عن مهرجان القاهرة السينمائي... وتموت الفكرة الجميلة!