يشعر العديد من الناس الذين تحدثت اليهم أخيراً بقلق ازاء موجودات الصين من الديون السيادية الأميركية، وتقول الفكرة العامة إن الصين اذا قررت التخلص من سندات الخزينة في الولايات المتحدة فإن الاقتصاد الأميركي سوف يصل الى الحضيض، ويشكل هذا جزءاً من السرد الذي يردده مرشح الرئاسة الأميركية دونالد ترامب والعديد غيره من أن الولايات المتحدة خسرت معركتها أمام الصين.

Ad

كانت تلك رواية معقولة، أما الآن وفي ظل دنو الطفرة الاقتصادية العملاقة للصين من نهايتها يتبين لنا أن تلك الرواية لم تكن صحيحة.

وقد أصبح هذا واضحاً عندما بدأت الصين في الآونة الأخيرة بالتخلص من ديون الولايات المتحدة، وفي السنوات الماضية عمدت بكين الى شراء الكثير من سندات الخزينة الأميركية من أجل ابقاء العملة الصينية رخيصة وحتى تتمكن من بيع كميات كبيرة من السلع بأسعار متدنية الى الولايات المتحدة – وهو جانب ينطوي على الكثير من الجدال الذي يدور حول كون تلك الخطوة استراتيجية اقتصادية حكيمة، ولكن مع تعثر الاقتصاد الصيني تعرضت العملة الصينية الى ضغوط. وفي شهر أغسطس الماضي سمحت بكين لعملتها (اليوان) بالهبوط بشكل جلي، ولكن منذ ذلك الوقت بدأت الحكومة في بكين بالتدخل في سوق صرف العملات بغية منع اليوان من الهبوط بسرعة كبيرة.

وتقول القاعدة الاقتصادية إنك اذا أردت أن تدعم عملتك سوف يتعين عليك أن تشتريها، وتقوم بهذه الخطوة من خلال استخدام احتياطيات القطع الأجنبي، وفي هذه الحالة ستضطر الصين الى استخدام ما لديها من سندات الخزينة الأميركية التي تصل الى تريليون دولار، والتي كانت تراكمها طوال سنوات عديدة.

ولكن بيع الصين لسندات الخزينة الأميركية لم يتسبب في هبوط أسعارها (أو التسبب في ارتفاع معدلات الفائدة بصورة كبيرة)، وبدلاً من ذلك خرجت الصين من السوق ودخل مستثمرون آخرون، وتبين أن الطلب على سندات الحكومة الأميركية كان أكثر اتساعاً وعمقاً وبقدر فاق توقعات الكثير من المحللين.

وهكذا لم يتحقق سيناريو الانهيار، وفي حقيقة الأمر فإن هذه كانت المرة الثانية التي حدثت فيها مثل هذه الحالة في السنوات الأخيرة، وكانت المرة الأولى عندما قرر مجلس الاحتياط الفدرالي تخفيف برنامجه في التيسير الكمي من شراء السندات في سنة 2014، ولم تتأثر معدلات السندات نتيجة لذلك على الاطلاق.

وحتى إذا كنت تعتقد أن الارتفاع في معدلات الفائدة الذي تحقق في منتصف عام 2013 كان بسبب توقع المستثمرين لتخفيف التيسير الكمي، فقد اقتصر التغيير على نسبة 1 في المئة بشكل تقريبي، وتبين في ما بعد وجود العديد من المستثمرين الذين كانوا يرغبون في المشاركة بعد خروج مجلس الاحتياط الفدرالي من تلك العملية.

من جهة أخرى، يتعين أن تظهر الروايتان أن الناس الذين يشترون الآن الأصول ليسوا الوحيدين الذين يرغبون في شراء تلك الأصول عند ما يقارب السعر الحالي، كما أن الدراسات تشير إلى وجود عدد كبير جداً من المستثمرين الراغبين في شراء الديون السيادية الأميركية بأسعار تقارب قيمتها الراهنة.

ما السبب وراء ذلك؟ ويتمثل الجواب في كون الدولار يعتبر ملاذاً آمناً، وعلى سبيل المثال عندما تصيب المتاعب المالية دول العالم كلها – كما يحدث كل عدة سنوات – يعمد المستثمرون الى شراء سندات الخزينة الأميركية بغية مواجهة العاصفة. وهذا هو سبب كون الولايات المتحدة واحدة من الدول القليلة التي شهدت قوة في عملتها خلال الركود الكبير في القرن الماضي. وحتى وسط الأزمة المالية التي اندلعت في 2008 و2009 كان الدولار الأميركي العملة الأقل سوءاً بالنسبة الى عدد كبير من المستثمرين حول العالم – ولهذا السبب فهو يعتبر عملة الاحتياط العالمية.

وتبرز أهمية وجود عملة احتياطية عندما تشهد الأسواق تخمة في التوفير العالمي، وعندما يوجد الكثير من النقد مع غياب العديد من فرص الاستثمارات الآمنة يعمد الناس الى شراء سندات الخزينة الأميركية، ولهذا السبب عندما تسأل نفسك من سيشتري الديون الأميركية فإن الجواب هو "كل شخص بشكل تقريبي".

قد يكون هذا سيئاً طبعاً في الأجل الطويل، وعندما يريد الكل شراء أصولك باعتبارها الملاذ الآمن للنقود فإن ذلك سيفضي الى رفع قيمة عملتك، وهو ما يجعل البضائع الأميركية أكثر تكلفة في الأسواق الخارجية، ويقلص من صادرات الولايات المتحدة ويسهم في عجزها التجاري المتواصل، وقد كان هذا العجز كبيراً طوال سنوات عديدة، وحال دون تحقيق نمو اقتصادي وفرض أعباء مالية على أجيال المستقبل.

* Noah Smith