الأغلبية الصامتة: أين المفر؟
الكويت، ومع تسارع الأحداث بين طهران والسعودية، لم تعد تملك خيار الانزواء، لأنه لم يتبقَ طرف في المشهد لم يعلن هو مع من، ولأي مدى هو مستعد للذهاب لمساندة حلفائه، وربما خطوتها الأخيرة باستدعاء سفيرها من طهران وتسليم السفير الإيراني في الكويت مذكرة احتجاج، دعما للموقف السعودي، بداية جديدة لسياسة الوضوح في المواقف.
لم يسبق لمنطقتنا العربية أن مرت بمثل هذه الظروف في وقت واحد، النيران مشتعلة في أكثر من مكان والأحداث متلاحقة، وزاد النقل المباشر للخبر والصورة الثابتة والمتحركة من اتساع دائرة التفاعل أو التطاحن بمعنى أصح بين مؤيد ومعارض ولكل منهما أسبابه وتناقضاته الجلية.الكويت حاولت بصعوبة شديدة الابتعاد عن وسط الصورة، وتركت المشهد بالكامل لدول خليجية سعت إلى سد الفراغ الكبير الذي تركه الغياب الأميركي عن المنطقة والغياب المصري عن الساحة العربية. الكويت غرقت أول الأمر في الأحداث البحرينية، ولم تعرف كيف توازن بين تلبية نداء الواجب تجاه أحد أعضاء مجلس التعاون، وبين مأزق الانقسام الداخلي بين طرفين: الأول يطلب دعم حكومة البحرين بإلحاح، والثاني يسير بالاتجاه المعاكس، ووجدت المخرج بإعلان المشاركة ضمن قوات درع الجزيرة.في الأحداث المتلاحقة في مصر وسورية واليمن حرصت السياسة الخارجية الكويتية على المنوال نفسه، تقف في الصفوف الخلفية مع تحركات نوعية تمثلت بالدعم الإنساني للاجئين السوريين عبر تنظيم ثلاثة مؤتمرات للمانحين واندفاعة عسكرية رمزية في عاصفة الحزم، وبدا واضحا أن الكويت ليست بالحماس نفسه الذي تبديه كل من الرياض وأبوظبي من جهة، والدوحة من جهة أخرى تجاه الشأن المصري، بالرغم من الدعم المعلن والسخي للقيادة المصرية بعد ثورة 30 يونيو.وسجلت السياسة الخارجية الكويتية في الأشهر الأولى من عام 2012م أكبر تناقضاتها عندما اندفعت خلافا لإرثها المتوازن، في التصويت على دعم الجماعات السورية المسلحة في مجلس الأمة المبطل الأول، دون أن تبدي أي تحفظ ضد ذلك التوجه، وبعد أن تغيرت المعادلة السياسية بمقاطعة القوى المؤيدة للتدخل في الشأن السوري للانتخابات، بالتوازي مع تبدل موازين القوى على الساحة السورية، عادت السياسة الخارجية الكويتية للوقوف بعيدا عن وسط المشهد.هناك على الضفة الأخرى وقفت السياسة الخارجية الكويتية موقف المتلقي للكمات من الطرف الإيراني، ففي حين تصدر إحدى المحاكم الكويتية حكماً نهائياً على خلية تجسسية تعمل لحساب طهران، وقبلها تعرض أحد المسؤولين للاعتداء الجسدي، تندفع الكويت نحو تعزيز علاقاتها تجاه إيران دون مردود ملموس.الكويت، ومع تسارع الأحداث بين طهران والسعودية، لم تعد تملك خيار الانزواء، لأنه لم يتبقَ طرف في المشهد لم يعلن هو مع من، ولأي مدى هو مستعد للذهاب لمساندة حلفائه، وربما خطوتها الأخيرة باستدعاء سفيرها من طهران وتسليم السفير الإيراني في الكويت مذكرة احتجاج، دعما للموقف السعودي، بداية جديدة لسياسة الوضوح في المواقف، ولعل إعادة رسم التحالفات في المنطقة تساهم في دفع موازين القوى نحو تسريع الحل السياسي، وتبريد الجبهات المشتعلة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا.