الخلايا النائمة للمتطرفين
نود اليوم أن نخوض في موضوع شائك، وله تاريخ طويل يتعلق بالخلايا النائمة، وهو مصطلح حديث ربما كان يسمى في الماضي "الطابور الخامس" مع الاختلاف في مفهوم المصطلحين.
والتعريف بالمصطلح يتركز حول أناس ينتمون إلى تنظيمات متطرفة تمر بأزمة أو تتعرض لضغوط سياسية وغيرها، فيلجؤون إلى الاختفاء أو التلون أو الانحناء للعاصفة حتى تمر وتهدأ الأحوال ليعاودوا نشاطهم وتطرفهم، وفي كل مكان وزمان يجد هؤلاء مأوى لهم وحاضنة وأنصاراً، وهؤلاء ليسوا من جماعة بعينها، لكن لكل مرحلة صنف من هؤلاء، ويمكن معرفتهم من الأسلوب الذي يتحدثون به، ويكررون العبارات نفسها على الرغم من بعد المسافات بينهم، ويطرحون بأن تياراتٍ، ويقصدون تيارهم، تتعرض للظلم والإقصاء والتهميش، وأن الطرف الآخر خاصة السلطة تضطهدهم، ويظهرون أنفسهم كضحايا ومظلومين لكسب الرأي العام أو الناس غير المسيسين أو المحايدين، وهناك كمٌّ من التجني والكذب والادعاء على الطرف المعارض لهم، ولا تتسم أقوالهم بالموضوعية والحيادية أو الأدلة وأحياناً قلب الحقائق، ويمكن بصورة عامة أن نذكر بعض الأمثلة دون الدخول في التفاصيل، وقد واجهنا مثل هؤلاء، وهناك خطر يواجه شبابنا منهم لأنهم في مرحلة الصراع، ولأنهم خلايا نائمة تحاول الاختفاء، ويحاولون كسب عطف الآخرين والتأثير عليهم، وينبغي أولاً التوعية بأفكارهم، وكشف حقيقة ادعاءاتهم، ثم على مستوى الدولة يجب الانتباه إلى أن الخلايا النائمة قد تصحو في وقت مناسب لها لتمارس تطرفها ونهجها، وأن صمت وسكون ونوم هذه الأعداد لا يعني زوال تأثيرها وخطرها، وما أكثر هذه الخلايا النائمة في مجتمعاتنا وهي تمر بأزمات أفرزت مثل هذه الظواهر، والآن يمكن طرح بعض الأمثلة على ما ذهبنا إليه حتى تكون الصورة أكثر وضوحاً. عندما حارب عبدالناصر في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين جماعات الإسلام السياسي وحاربوه استغلوا الظروف وهاجروا إلى منطقة الخليج والجزيرة العربية وغيرها، وعندما حارب حافظ الأسد هذه الجماعات في السبعينيات من ذلك القرن هاجروا كذلك إلى المنطقة نفسها، وتركز عملهم في التربية والأوقاف، وعندما سقط حكم الإخوان في مصر 2013م أيضاً هاجرت أعداد منهم ومن أنصارهم إلى منطقة الخليج وتركيا، وعمل الأوائل منهم على إقامة خلايا حزبية محلية، وكان أولئك ولا يزالون أو لا يزال بعضهم من الخلايا النائمة التي تبث أفكارها السياسية، وانتظار الفرصة لعودتهم أو عودة أقرانهم من تيار الإسلام السياسي المحلي، ويمكن معرفة هؤلاء من حواراتهم ومواقفهم واللغة والمصطلحات الواحدة التي يستخدمونها تجاه أنظمة الحكم في أوطانهم. وإن قناعاتهم لم تتغير على الرغم من تغيير بعضهم لمظاهرهم لأن تربيتهم الحزبية والأيديولوجية لم تتغير، وإن هدف جماعات الإسلام السياسي هو الوصول إلى السلطة، فهم يستخدمون في كثير من الأحيان الانتخابات؛ لذلك نتائج الانتخابات في الدول المتخلفة والوسائل المستخدمة للفوز فيها معروفة، وهم محنكون في لعبتها.هذه الجماعات لا تؤمن بالوطن والقومية بل بدولة الخلافة الإسلامية، وتستخدم وسيلة التغلغل في مواقع القيادة والمؤسسات المالية، وسابقاً في مؤسسات التعليم والأوقاف كما ذكرنا، ولما أصبح أسلوب بعضها عنيفا ومتطرفاً فإن خطرها بات يهدد أنظمة الحكم، ومؤسسات المجتمع، وكذلك فكر الناس وثقافتها التى جبلت على الاعتدال والعقلانية. وقد يتلون بعضها في ادعاء الوسطية وهو ليس كذلك، ولكن المراهنة هي على وعي الناس وأثر النخبة المثقفة، فليس المطلوب إلغاء التعددية، أو عدم السماح بفكر الآخر، لكن الذين ثبت تاريخياً عدم إيمانهم بالآخر واحترام رأيهم وسعيهم لفرض فكرهم وأسلوبهم الأحادي يجب أن يواجهوا بكشفهم أولاً، ثم طرح البديل لفكرهم ونهجهم.