لو أن ما قيل عن عدم تمكن المخرج السوري جود سعيد من الوصول إلى القاهرة، برفقة فيلمه «بانتظار الخريف»، بسبب تعذر حصوله على تأشيرة دخول الأراضي المصرية، وبالتالي عجزه عن حضور العرض العالمي والعربي الأول للفيلم في مصر، فما الذي يدعوه إلى كتابة ما يمكنني أن أطلق عليه «قصيدة في حب مصر» التي أصر على إرسالها، وتمنى على الإدارة تلاوتها على الحضور قبل عرض الفيلم؟

Ad

  ربما كان من حقه أن يستشيط غضباً أو ينتابه الضيق والحزن، كونه لم يحصل على تأشيرة دخول إلى مصر لأي سبب من الأسباب،  ومن ثم يصبّ لعناته على مصر، والمصريين، الذين حرموه من رفقة ابن من أبنائه في عرضه العالمي الأول، لكنه لم يفعل، وعلى غير المتوقع، أصاب الجميع بدهشة عندما استلهم روح نزار قباني، وهو يكتب قصيدته الشهيرة «هوامش على دفتر النكسة» للزعيم جمال عبد الناصر، وراح يخاطب الجمهور المصري الذي تطلع إلى مشاهدة فيلمه «بانتظار الخريف» فقال برقة تقطر شجناً وعذوبة:

أعتذرُ منكمُ أعتذرُ، فقد باتت الطائرةُ تعجزُ عن حملِ هويتي إليكم،

أضحت هويتي مثقلةً بالدمِ والرصاص، صارت ربما عبئاً من قسوة وجعها، ولكنّها سيداتي سادتي، وأنتم تعرفون،  هي أصلُ الحكايةِ،  وهي البداية. سيداتي سادتي، السينمائيون أهلُ ذاكرة،  لا ينسون.

في العام 2009 وأنا أصنع فيلمي الأول «مرة أخرى» حصل طارئ تقني في دمشق كاد يمنعنا من إتمام الفيلم في مواقيته،  فقالت لنا القاهرة أهلاً.. وأذكر الطريق من المطار للأستوديو وأنا محمّل بأعوامي التسع والعشرين وعشرات علب الخام في تاكسي بسيط يضحك سائقه الكهل مجلجلاً، وأنا أخبره أنه يحمل مئات اللقطات التي لا نسخة ثانية لها،  ونمشي والقاهرة لا تقول لي إلا أهلاً،  وعدنا في العام  2010  مع «مرة أخرى» للمشاركة في مهرجان القاهرة التي لم تتوقف عن القول لنا أهلاً. يذكر الأستاذ علي أبو شادي تلك الحادثة وأتمنى أن يكون بين الحاضرين وأوجّه له ولكل قامات مصر السينمائية التحيّة.

اليومَ، وبعد سنوات أربع تعود القاهرة لتقول لنا أهلاً، شكراً لمصر،  لمهرجان القاهرة والقائمين عليه لاستقبال فيلمي الثالث ومنحه حقّ عرض هويته وإسماع صوته،  الحريّة لا تُجزأ فهي إمّا تكون للجميع أو لا تكون،  ونحن نريدها حقيقية وللجميع من دون استثناء. أستودعكم على الشاشة أرواحنا وسلاماً للدنيا من دمشق. لا تنسونا فلربما نموت غداً أو بعد غدٍ ولا يبقى منّا إلا ذاكرتَكم وأسماؤنا وما ستشاهدون بعد قليل. انتظارنُا لخريفنا،  لسماءٍ تشرينية أقلَّ قتلاً وأقلَّ ظلماً، ما ستشاهدون فيه هو من دمنا،  هو ضحكات وجعنا وبسمات من رحلوا عنّا وهويّتنا الطيّبة الرقيقة التي لا ولن تموت. نحن لا نموت فإن غبنا جسداً يبقى صدقُ صوتنا وحقّ حروفنا التي تسمعون الآن. نحن لا نموت،  شكراً مهرجان القاهرة لإصرارك على حياتنا.  انتهت كلمات جود سعيد لكن الحديث لم ينته عن الفيلم، الذي شارك في كتابته مع المخرج عبد اللطيف عبد الحميد والكاتب الشاب علي وجيه، وعُرض بالفعل في مسابقة «آفاق السينما العربية»، التي تُعد واحدة من مسابقات البرامج الموازية الثلاث، التي تُقام ضمن إطار الدورة السابعة والثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، واستقبل بحفاوة، كونه يُثمن روح التفاؤل، ويدعو إلى الإصرار على الحياة، من خلال التحضير، في صيف عام 2013، لنهائيات كأس الجمهورية للكرة الطائرة النسائية، في توقيت متزامن مع استعداد الولايات المتحدة الأميركية لقصف سورية، وقيادة تحالف دولي يستهدف تدميرها، واكتشاف أهالي القرية القريبة من قلعة الحصن السورية تعرض المخرج «محسن» زوج كابتن الفريق الصحافية «حلا عبد الكريم» للاختطاف، وتتملك الحبيبة الحيرة بين البحث عن المخرج، والرغبة في تحقيق نصر يعيد الفرح الضائع في البلد.   

يتواصل الحديث، ويتجدد، عن الأسباب التي منعت المخرج السوري من الحضور إلى مصر، في حين حضر بعض الأشقاء السوريين كضيوف على مهرجان القاهرة السينمائي، وهو ما حدث أثناء انعقاد الدورة الأخيرة لمهرجان الإسكندرية السينمائي في سبتمبر الماضي، حيث لبى الدعوة وفد سوري مكوّن من خمسة عشر شخصاً تقريباً، على رأسهم محمد الأحمد رئيس المؤسسة العامة للسينما في سورية، التي أنتجت فيلم «بانتظار الخريف»، ورغم هذا  فوجئ مخرجه بتعذر الحصول على التأشيرة، بما يعني أن القرار مطاطي، ويخضع لأهواء شخصية، ويطرح تساؤلات عدة حول أسبابه ومبرراته!