جريمة باريس الإرهابية: المستفيد هو الفاعل!
مع أنَّ موجة العمليات الإرهابية التي نفذها تنظيم "داعش" الإرهابي وشملت فرنسا ومصر والولايات المتحدة ودولاً أخرى قد رسخت القناعة بأنَّ هذا التنظيم جرى تضخيمه على هذا النحو، ليكون مبرراً للاحتلال الروسي لسورية وأيضاً مبرراً للقول إنه لا يوجد بديل لنظام بشار الأسد سوى الفوضى والإرهاب، فإنه يجب أن يجري تحقيق جديٌّ لمعرفة الجهة الحقيقية والفعلية التي وقفت وراء هذه العمليات، على أساس أن هناك حكمة تاريخية تقول: "قلْ لي من المستفيد أقول لك من هو الفاعل!". كل المعلومات التي أفرج عنها الفرنسيون بعد جريمة باريس الإرهابية أشارت إلى أنَّ المخططين والفاعلين الرئيسيين كانوا في سورية قبل ارتكاب هذه الجريمة، لكن لم يُكشف النقاب عما إذا كان هؤلاء في دمشق أم في الرقة أم في دير الزور، وعما إذا كان إرسالهم ليقوموا بما قاموا به هدفه تأكيد الادعاء بأن بديل نظام بشار الأسد هو "داعش" والإرهاب والفوضى وأن الأولوية، كما قال الروس مبكراً، هي للقضاء على هذا التنظيم وباقي التشكيلات والمنظمات الإرهابية وليست إسقاط هذا النظام والتخلص منه.
كل الدول الغربية التي استهدفها تنظيم "داعش"، وفي مقدمتها فرنسا وألمانيا وبريطانيا وأيضاً الولايات المتحدة، تعرف معرفة أكيدة أنه كان هناك تواطؤٌ مكشوف مع هذا التنظيم من قبل نظام بشار الأسد ومن قبل الروس والإيرانيين، وأن دافع استدراجه إلى تدمر ليفعل ما فعله في أوابدها وآثارها التاريخية هو خلق ضجة عالمية لإعطاء مصداقية لاعتبار أن الأولوية يجب أن تكون لمواجهة هذا التنظيم، الذي إن لمْ يتم القضاء عليه أولاً فإنه سيكون من يملأ الفراغ بعد رحيل هذا النظام السوري، الذي لولا التدخل الروسي لكان انتهى في المراحل الأولى من انطلاقة الانتفاضة السورية. والغريب أنَّ كل الدول التي كانت لها مواقف مطالبة برحيل الأسد ونظامه أولاً وعلى أساس (جنيف1) قد تراجعت عمليّاً عن هذه المواقف بعد موجة العمليات الإرهابية التي تبناها "داعش" ونسبت إليه، وأبشعها وأكثرها دموية عملية باريس، وحقيقة أن هذا يدل على أن هذه الدول قد: "فهمت الرسالة"، كما يقال، وأنها تفادياً لقادم أعظم قد بَلَعتْ "الطُّعْم" الروسي وطُعْم نظام بشار الأسد، ووافقت مضطرة على أنَّ الأولوية بالنسبة للأزمة السورية ليست إزاحة هذا النظام والتخلص منه، وإنما القضاء على هذا التنظيم الإرهابي والتنظيمات الإرهابية الأخرى. وهذا بينما كل هذه الدول ومن بينها الولايات المتحدة تعرف أن "داعش" قد نما كل هذا النمو المثير لألف سؤال وسؤال، في الحاضنة الروسية وفي الحاضنة الإيرانية وفي حاضنة المخابرات السورية، وأن الروس ومعهم باقي أركان حلفهم عندما يتحدثون عن الإرهاب فإنهم لا يعنون به هذا التنظيم ولا تنظيم "النصرة"، بل المعارضة الوطنية (المعتدلة) بكل فصائلها التي شاركت في مؤتمر الرياض، ووافقت على الحلول السياسية المقترحة لوضع حدٍّ لما بقي يجري في سورية خلال الأعوام الخمسة الماضية. والآن وعندما يبدأ الروس ومعهم المخابرات السورية بحملة الاغتيالات التي استهدفت قادة فصائل مؤتمر الرياض، فإن المفترض أن الهدف غدا واضحاً ولا لَبْس فيه، وهو القضاء على المعارضة الوطنية (المعتدلة) لإفساح المجال أمام ما يسمى معارضة الداخل التي هي مجرد أسماء اخترعها نظام بشار الأسد ولا وجود لها إطلاقاً على أرض الواقع، لتنفرد باجتماع جنيف الذي دعا إليه المندوب الدولي ستيفان دي مستورا، والذي إنْ لم تحضره المعارضة الفعلية والحقيقية، فإن انعقاده سيكون مجرد مهزلة أخرى لن تكون مقبولة ولن يقتنع بها إلا الروس ومن يشاركهم في هذا التحالف التآمري الشيطاني.