أسباب تجدد متاعب اليونان المالية
قبل تقديمهما الأموال اللازمة لإنقاذ اليونان، تطالب منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي بإجراء أثينا إصلاحات وخفضها الميزانية لوضع الاقتصاد على أرضية طويلة الأجل وأكثر سلامة ورسوخاً، وقد تبين أن تلبية بعض هذه الشروط كانت بالغة الصعوبة بالنسبة إلى الحكومات اليونانية المتعاقبة.
مازالت منطقة اليورو مستمرة في الجدل حول اليونان غير القادرة على دفع فواتيرها وديونها، وقد سدت أسواق رأس المال في وجهها، ولذلك فهي في حاجة الى دعم مالي من قبل مقرضين «رسميين» كمنطقة اليورو وصندوق النقد الدولي.ولكن قبل تقديم أموال الإنقاذ اللازمة تطالب منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي باجراء أثينا لإصلاحات وخفض في الميزانية من أجل وضع اقتصاد اليونان على أرضية طويلة الأجل وأكثر سلامة ورسوخاً، وقد تبين ان تلبية بعض هذه الشروط كانت بالغة الصعوبة بالنسبة الى الحكومات اليونانية المتعاقبة.وكان هذا محور الأزمة منذ أول عملية إنقاذ لليونان قبل خمس سنوات، ولكن في يناير الماضي ونتيجة تأثرهم الشديد بالركود الاقتصادي الذي تسبب في هبوط ما يصل الى ربع الناتج المحلي الاجمالي عمد الناخبون اليونانيون الى انتخاب حكومة برئاسة حزب سيريزا الراديكالي اليساري، وحاولت تلك الحكومة برئاسة أليكسيس تسيبراس، التي حصلت على تفويض لانهاء وتمزيق «الشرط» الذي فرضه الدائنون من أجل تقديم المساعدة، تغيير شروط عملية الإنقاذ الثانية التي كانت تشتمل على 7.2 مليارات يورو متبقية على اليونان، ولكن الدائنين – ومنهم الحكومات الاخرى في منطقة اليورو تمسكوا بمطالبهم، وفي فبراير الماضي اتفق الجانبان على تمديد عملية الإنقاذ أربعة أشهر حتى 30 الجاري، ولكن لم يتحقق سوى القليل جداً من التقدم في هذا الصدد منذ ذلك الوقت.ماذا يريد كل طرف؟أصدر الجانبان في الأسبوع الماضي مجموعتين من مقترحات الاصلاح المتنافسة التي أظهرت استمرار الخلاف القوي في عدد من الجوانب، ولعل الأكثر تعقيداً وصعوبة كان إصلاح نظام التقاعد، إذ يطلب الدائنون من الحكومة اليونانية إجراء خفض متعدد في ذلك النظام الذي يتسم بالسخاء، والذي سوف يعادل 1 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي بحلول العام المقبل، ولكن القيام بمزيد من الخفض في نظام التقاعد يتعارض بصورة مباشرة مع الوعد الذي أطلقه سيريزا في حملته الانتخابية حول إنهاء ما يطلق عليه «الأزمة الإنسانية» في اليونان.وتظل في المسألة أيضا قضية القيمة المضافة التي يطالب الدائنون بتبسيطها، ويبدو الجانبان في وضع أقرب الى تحقيق اتفاق حول اصلاح سوق العمل، ولكن لايزال عليهما التوصل الى أرضية مشتركة بشأن قواعد المساومة الجماعية والحد الأدنى من الأجور.وتوجد أيضاً قضية الثمن الباهظ لديون اليونان الذي يبلغ، بعد عمليتي إنقاذ، 180 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، كما أن التصورات التي طرحها كل جانب حول فائض الميزانية اليونانية الأولية (أي قبل دفعات الفائدة) لا تبدو متباعدة الى حد كبير، إذ يرى الطرفان أن اليونان سوف تحقق فائضاً بنسبة 3.5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي اعتباراً من سنة 2018 فصاعداً، وهو يعني هبوطاً معقولاً في نسبة الدين الى الناتج المحلي الاجمالي في اليونان بمرور الوقت إذا تمكن ذلك البلد من تحقيق نمو اقتصادي مستدام.ولكن الدائنين – وخاصة صندوق النقد الدولي – لا يقبلون فكرة ان تفضي مقترحات الاصلاح اليونانية الى مثل ذلك الرقم، وقد تكون القضية الأكثر أهمية بالنسبة الى اليونان هي الوعد الذي صدر حول تحقيق شكل ما من هيكلة الديون، ودائنو اليونان لا يعارضون من حيث المبدأ فكرة تمديد موعد استحقاق القروض ولكنهم يريدون تأجيل بحث المسألة في الوقت الراهن.الموجودات المالية لليونانعندما تم تمديد عملية الانقاذ المتعلقة باليونان في فبراير الماضي ظن العديد من الناس أن أثينا تستطيع الصمود والبقاء حتى يونيو الجاري من دون التوصل الى اتفاق، ولم تحصل اليونان على أي تمويل خارجي منذ شهر أغسطس عام 2014 وقد تمكنت من الاستمرار عن طريق اللجوء الى طائفة من الاجراءات اليائسة بصورة متزايدة عبر استخدام أموال البلديات وتأجيل الدفعات الى الموردين. وتمكنت أثينا من تسديد دفعة واحدة الى صندوق النقد الدولي من خلال الاقتراض من حساب منفصل في الصندوق كما أنها استخدمت فقرة نادرة الاستخدام في صندوق النقد الدولي من اجل تأجيل كل دفعاتها التي تستحق في يونيو الجاري حتى نهاية الشهر.وتجدر الإشارة الى ان التخلف عن أي دفعة الى دائن رسمي قد يفضي الى تدافع على البنوك والى فقدان دعم السيولة من جانب البنك المركزي الأوروبي اضافة الى رقابة على رأس المال على البنوك اليونانية، وفي نهاية المطاف الى خروج اليونان من منطقة اليورو في حال اضطرارها الى طباعة عملتها من أجل دفع الرواتب والمعاشات التقاعدية.وماذا بعد؟حدثت خلال الأشهر الأربعة الماضية سلسلة لا نهاية لها من المواعيد النهائية، ولكن الموعد النهائي الذي تحدد في 30 يونيو الجاري كان مختلفاً لسببين: الأول هو انتهاء موعد عملية إنقاذ اليونان وهو ما يعني عدم توافر مبلغ الـ7.2 مليارات يورو (ولا مبلغ الـ 10 مليارات التي يفترض أن تكون مخصصة لإعادة رسملة البنوك ولكن قسماً من ذلك المبلغ يمكن أن يستخدم من أجل مساعدة الحكومة اليونانية )، ويعني ذلك ايضاً عدم أهلية البنوك اليونانية للحصول على دعم سيولة من جانب البنك المركزي الأوروبي. ويتمثل السبب الثاني في أن حزمة دفعات صندوق النقد الدولي التي تساوي حوالي 1.6 مليار يورو سوف تستحق، ويكاد يكون في حكم المستحيل أن تتمكن اليونان من جمع تلك الأموال من دون مساعدة، والأكثر من ذلك سوف يتعين على أثينا خلال شهري يوليو وأغسطس أن تسدد الى البنك المركزي الأوروبي حوالي 6.7 مليار يورو.وعلى الرغم من ذلك فإن التوصل الى اتفاق مع الدائنين سوف يترك العديد من الأسئلة من دون أجوبة، ويتمحور السؤال الأول حول ما إذا كان السيد تسيبراس سوف يتمكن من تسويق تلك الفكرة الى مؤيديه الذين يزدادون تململاً واستياء. ورأى البعض وجود حاجة الى اجراء استفتاء عام أو حتى انتخابات جديدة، ويتمثل السؤال الثاني حول ما إذا كان هناك ما يكفي من الوقت من أجل إقرار الاتفاق من قبل مختلف البرلمانات في منطقة اليورو، والعديد من تلك البرلمانات يكون في عطلة خلال جزء من شهر يونيو، وهي على أي حال قد سئمت قضية اليونان.ويتعلق السؤال الثالث بدور البنك المركزي الأوروبي الذي تريد اليونان منه أن يرفع الحدود التي فرضها على ديونها في الأجل القصير ما يوفر المزيد من الأموال لحكومة أثينا، ولكن من غير الواضح ما إذا كان البنك سيقدم على مثل تلك الخطوة قبل أن توافق منطقة اليورو على دفع أموال الإنقاذ.ماذا عن ثالث عملية إنقاذ؟قد يكون من الصعب تصديق هذه المسألة، ولكن الخلافات التي حدثت في الأشهر القليلة الماضية كانت حول قضية بسيطة بصورة نسبية: كيف يمكن الانتهاء من اتفاق الانقاذ الثاني مع اليونان، وحتى في حال ابرام اتفاق فإن الأموال سوف تتبدد بصورة سريعة وخاصة من قبل البنك المركزي الأوروبي، ونظراً لأن التمويل الخاص ليس خياراً فإن اليونان سوف تتطلع الى عملية إنقاذ ثالثة. وتشير الحسابات الى أن المبلغ اللازم يراوح بين 30 و50 مليار يورو، وقد تبخرت الثقة بين الجانبين منذ انتخاب سيريزا وهو ما يعني أن من المرجح أن يطلب الدائنون المزيد من الشروط القاسية.أمران قد يؤثرا على الوضع بالنسبة الى اليونان، أولهما يتمثل في امكانية اشتمال عملية الإنقاذ الثالثة على نوع ما من إعادة هيكلة الديون، والثاني أن مشاركة صندوق النقد الدولي الذي كان يتشدد في المطالبة بإجراء اصلاحات ليست مضمونة. وقد ازداد التوتر بين الصندوق واللجنة الأوروبية خلال الأسابيع القليلة الماضية: في ظل غياب إصلاحات قوية سعى بها الصندوق الى اعادة هيكلة للديون من أجل زيادة مبالغه، بينما تريد اللجنة الأوروبية التوصل الى ترتيبات سياسية.هل يكون خروج اليونان مدمراً؟سوف تكون التأثيرات على اليونان عميقة ومباشرة، مع هروب الأموال من البنوك وارتفاع ديون الشركات اليونانية التي تخضع لهيمنة اليورو وهبوط قيمة العملة اليونانية (الدراخما) نتيجة لذلك، ولكن على الرغم من ذلك يرى البعض ان مكاسب التنافسية من تعديل العملة المحلية قد تمكن اليونان من التعافي.وبالنسبة الى منطقة اليورو، وبالمقارنة مع سنة 2012، عندما كانت اليونان عند الحافة، فإن أثينا في وضع أفضل لتدبر عملية الخروج من منطقة اليورو. وعلى سبيل المثال فإن رسملة بنوكها جيدة وقد ترسخت عملية إنقاذ كبيرة كما أن 80 في المئة من ديون اليونان أصبحت الآن في يد «رسمية». ولكن خروج اليونان سوف يشير الى أن عضوية اليورو ليست ثابتة.وعلى الرغم من أن التحرك السريع من جانب البنك المركزي الأوروبي يمكن أن يحمي الدول المعرضة الاخرى فإن البعض من تلك البلدان مثل البرتغال التي قد تستفيد من مثل ذلك الاجراء في تفادي هجمات السوق الفورية والمباشرة سوف تواجه مشكلة تتمثل في استمرار ارتفاع تكلفة الاقتراض في الأجل الطويل.وقد حذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من أن خروج اليونان من منطقة اليورو يمكن أن يلحق الضرر بالاقتصاد الأوروبي، وإضافة الى ذلك توجد مخاوف جيوسياسية، ويقال إن مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل هي ضمن الشخصيات التي تخشى عواقب تمزق أوروبا عندما تهدد روسيا جيرانها، ومنذ وصوله الى السلطة عمد تسيبراس الى التودد الى فلاديمير بوتين وخاصة في مشاريع الطاقة المشتركة.المسؤول عن الخطأقدر كبير من اللوم يقع على جميع الأطراف، وربما كان يتعين على السياسيين في أوروبا عدم السماح بانضمام اليونان الى اليورو في سنة 2001، بعد عامين من انشاء العملة، وربما كان على الحكومات اليونانية عدم الانفاق بكثرة في السنوات التي سبقت 2008، وكان يتعين عليها العمل مثل ايرلندا والبرتغال وقبرص على استخدام أموال الانقاذ من أجل تحقيق اصلاحات هيكلية عميقة.وقد أخطأت منطقة اليورو في فرض درجة كبيرة من التقشف على اقتصاد ممزق، وكان على السياسيين الأوروبيين توقع توجه الناخبين اليونانيين نحو البحث عن بديل راديكالي.