المفترض أن تبادر الشقيقة والجارة العزيزة إيران، بعد توقيع اتفاقية "النووي" مع دول 5+1، وعلى رأسها الولايات المتحدة "دولة الاستكبار"، إلى فتح صفحة جديدة مع الدول العربية على أساس حسن الجوار والمصالح المشتركة، وعدم التدخل في الشؤون، وتقديم ما يجمع على ما يفرّق، والتخلص الفعلي من مرحلة مريضة استنزفت الإيرانيين كما استنزفت العرب على حد سواء.

Ad

لكن هذا لم يحصل مع الأسف، فقد صدمنا السيد علي خامنئي، بأن زف إلينا البشرى بأن إيران لن تغير سياساتها في هذه المنطقة، وأنها ستبقي على تدخلها السافر السابق في العراق وسورية واليمن والبحرين، وهذا يعني "كأنك يا أبا زيد ما غزيت"، وكأن دول الجوار الشقيقة ليست الأولى بالتفاهم وبتقديم التنازلات التي قدمتها إيران لـ"الشيطان الأكبر".

إن الدول العربية التي بقيت مستهدفة في "إيران الثورة"، وقبل ذلك في إيران الشاهنشاهية، كان معها الحق كله عندما أبدت خشية من أن الصفقة الأخيرة التي أبرمتها طهران مع مجموعة "5+1" ستكون على حسابها، فتصريحات الولي الفقيه التي تحدث فيها عن أن سياسات بلاده في هذه المنطقة ستبقى على ما هي عليه تدل على أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن هذا الاتفاق "اللعين" ربما يخفي مؤامرة قذرة كبيرة.

هناك مثل يقول: "إن قريص الحية يخشى من جرة الحبل"، فالتاريخ الذي عمره زهاء قرن بأكمله، والذي بدأ باتفاقيات "سايكس- بيكو" علّم العرب أن علاقات الغرب بهم كلها مؤامرات في مؤامرات، وأن أكبر مؤامرة تاريخية هي إقامة الدولة الإسرائيلية على الأرض العربية الفلسطينية، وهذا بالإضافة إلى مؤامرات كثيرة أخرى لا حصر لها.

ما كان على الولي الفقيه أن يزف إلى العرب تصريح تدخّل بلاده السافر في الشؤون العربية الداخلية، وبخاصة أن بلاده قد وقّعت مع دول "5+1"، وعلى رأسها "الشيطان الأكبر"، هذه الاتفاقية المذلة فعلاً التي من المؤكد أنه يعرف أن هذا الغرب وقّعها من أجل إسرائيل وليس غير إسرائيل، والدليل هو رد الفعل الإسرائيلي عليها.

كان على الولي الفقيه أن يشترط تجريد إسرائيل من سلاحها النووي، وإغلاق مفاعل "ديمونا" مقابل توقيع هذه الاتفاقية التي ستكشف الأيام المقبلة أنها جائرة ومذلة، لكنه مع الأسف لم يفعل هذا، مما يدل على أنه خلال هذه المفاوضات الطويلة المضنية كان همه الذي لا هم غيره هو إطلاق يد بلاده في المنطقة العربية، ولذلك فإنه سارع بعد التوقيع على هذا الاتفاق بالتصريح بأن سياسات إيران باقية على ما هي عليه في العراق وسورية واليمن والبحرين.