في العالم المتحضر تجد فرص الترقي الوظيفي متى ما توفرت لديك الكفاءة دون أن يُنظَر إلى لونك أو جنسك أو عرقك أو دينك؛ فالمحك في الاختيار هو العطاء والإبداع، لذا ترى تلك المجتمعات تتطور بينما نحن في الغالب نسير إلى الخلف.

Ad

مفاهيم جميلة يطلقها مفكرو علم الإدارة للدفع بالطاقات نحو الإنتاج والمشاركة في بناء المجتمعات، لكنها تحتاج إلى فهم وتعريف كي لا يختلط الأمرعلى مُتَّخِذ القرار، فمصطلح تمكين الشباب يراد به تأهيلهم للانخراط في العمل بكفاءة، أما تمكين الكفاءات فلا يخص الشباب وحدهم بل يعني إعطاء المتميزين فرصة القيادة.

لقد أشرت في مقال سابق إلى معنى تمكين الشباب والهدف منه وكيفية إيجاد الآليات التي ترفع من كفاءة وقدرة الخريجين لدخول سوق العمل العام والخاص، وأنه من ضمن مسؤولية المؤسسات التعليمية، مع التأكيد على معرفة نوع الاحتياجات والمهام والمهارات المطلوبة في سوق العمل.

 بالنظر إلى سوق العمل الكويتي نجد أن هناك اختلالاً في التركيبة الوظيفية نتيجة سياسة التوظيف العامة للدولة، وما يعانيه القطاع الحكومي من تضخم، يقابله عزوف كبير عن العمل في القطاع الخاص نتيجة السياسات المتبعة كدعم العمالة ومنافسة العامل الأجنبي في الوظائف التي تحتاج إلى الخبرة والجهد الجسماني.

ويرجع عزوف الشاب الكويتي عن العمل ببعض المهن إلى عوامل اجتماعية، منها الطفرة الاقتصادية التي عاشها المجتمع مع ظهور النفط وتفضيله للعمل الإداري، ولإزالة هذا العائق نحتاج إلى حصر الوظائف التي يمكن قبولها من قبل الشباب كالمهن المرتبطة بالقطاعين النفطي والصحي كحل مبدئي يساعد في تخفيف الضغط على القطاع الحكومي الإداري المتخم.

أما مؤسسات التعليم فمطالبة بتغيير نهجها في تبني احتياجات الدولة من تلك الوظائف والتي تعد بعشرات الآلاف، لاسيما في القطاعين الصناعي والصحي، فيكفي أن نعرف أن مهنة التمريض وحدها تحتاج إلى أكثر من عشرين ألف ممرض حالياً، ومن يعمل فيها من الكويتيين لا يتجاوز 6 في المئة.

نرجع إلى المصطلح الثاني الخاص بتمكين الكفاءات، وهو مفتاح الحل الأمثل في فك أحجية ضعف الأداء العام للدولة، فالمتابع للقيادات التي تسلَّمت قطاعات الدولة يعرف أن هذا المفهوم غائب عن الواقع، وما نراه هو تكرار لنفس الأسماء والجديد منها لا يجرؤ على عرض سيرته العلمية والمهنية.

المحصلة من هذا التمكين لم تصل إلى الفهم الحقيقي في آلية تبني الكفاءات، لكن خيبة الأمل مازالت تصيب الطامح منهم في مقتل، فخريج الجامعة الكرتونية، كما يحب زملاؤنا الأكاديميون تسميته، يتصدر المشهد ولا عزاء لأصحاب الشهادات المرموقة.

في العالم المتحضر تجد فرص الترقي الوظيفي متى ما توفرت لديك الكفاءة دون أن يُنظَر إلى لونك أو جنسك أو عرقك أو دينك، فالمحك في الاختيار هو العطاء والإبداع، لذا ترى تلك المجتمعات تتطور بينما نحن في الغالب نسير إلى الخلف، فحتى مشاريع البني التحتية تحتاج إلى أوامر تغييرية.

نصيحة للمستقبل عسى أن تتبناها وزارتا التربية والتعليم العالي لدعم الكفاءات من خلال توفير البيانات الخاصة بالمميزين علمياً، سواء من أكمل دراسته، أو من لايزال يدرس، لعرضها على وزارات الدولة، بالاستفادة منهم كنواة للبدء في مشوار تمكين الكفاءات.

ودمتم سالمين