تقرير اقتصادي .. «درزن» ثقوب في سفينة الإصلاح الإقتصادي الحكومي
● ظهر الدولة مكشوف في ملف إعادة تسعير الخدمات لتمويل عجز الميزانية
● لا قيمة للحديث عن الإصلاحات المالية أو الاقتصادية ما لم تبدأ بالإدارة
واضح أن هناك ثقوباً عديدة تجعل الخطاب الحكومي بشأن الإصلاح المالي عرضة للنقد والاعتراض في وقت تتراجع الإيرادات العامة إلى مستويات قياسية تناهز 65%.
مع دخول ملف اعادة هيكلة دعم السلع والخدمات مرحلة حاسمة، على الارجح، من حيث تنامي توقعات صدور قرارات حكومية ترفع اسعار عدد منها، لاسيما تلك المتعلقة بالكهرباء والماء والمحروقات، خصوصا بعد اتخاذ السعودية والبحرين خطوات تنفيذية مشابهة، تجد السلطة التنفيذية نفسها وحيدة في مواجهة قوى معارضة وموالية، بل كذلك اقتصادية واكاديمية، كلها تنتقد السياسات الحكومية «التقشفية» وبدرجات متفاوتة الحدة.فمن الواضح من خلال ردود الفعل على الاتجاهات الحكومية التي عبر عنها تقرير «أرنست آند يونغ»، الخاص بهيكلة الدعوم، إضافة إلى تصريحات مسؤولين رسميين، فإن حجة الحكومة في اقناع الرأي العام بخطواتها المرتقبة ضعيفة جدا، وقد تكون بـ»ظهر مكشوف» إذا قررت المضي قدما في مشروعها الذي يركز بشكل اساسي على اعادة تسعير الخدمات لتمويل العجز في الميزانية. وهنا يمكن رصد «درزن» من الثقوب في سفينة الإصلاح الحكومي، تفسر اسباب ضعف قناعة الرأي العام بتوجهات الدولة.
1 - تناقض السياساتففي سياسات الحكومة، تناقضات كثيرة على مدى سنوات، الا ان اخرها واوضحها يتمثل في انه في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة الى اعادة تسعير الخدمات لخفض النفقات العامة نجدها تتجه بكل قوة الى طلب ما يوازي 6 مليارات دينار من الاحتياطي العام للدولة لزيادة الانفاق العسكري، مما يعكس شعورا بعدم جدية الاصلاح المالي، فضلاً عن استخدام العلاج في الخارج كورقة مساومة سياسية رغم كل تكاليفها المالية الباهظة، والتي تشير المعلومات إلى انها تضخمت كثيرا رغم كل ادعاءات الترشيد والتقشف.2 - التردد في الخصخصةيكفي ان تضع ملف الخطوط الجوية الكويتية كنموذج صارخ لكيفية التردد في الاتجاه الحكومي نحو الخصخصة، فذات مرة تريدها شركة خاصة تسعى الى الربحية، ومرة ثانية تسعى لان تكون ناقلا وطنيا تابعا للدولة، ولعل هذا التردد في واحد من اسهل نماذج الخصخصة نظرا للتنافس المفتوح في سوق الطيران المحلي ومحدودية موظفي الشركة يجعل الحديث عن خصخصة خدمات وقطاعات اخرى مرتبطة بمصالح وحياة الناس كالجمعيات التعاونية او الكهرباء و الماء ضربا من المغامرة إن لم يكن الجنون.3 - غياب العدالةأي عملية اصلاح مالي او اقتصادي تستوجب ان تكون هرمية الشكل، اي من الأعلى ثراء الى الادنى، وبالتالي فإن معاملة الجميع وفقا لمسطرة واحدة فيها جانب عال من الخلل، فالأَولى هنا التفكير في فرض نسبة ضرائب معينة على ارباح او ايرادات الشركات الى جانب تعديل اسعار حقوق الانتفاع لمستويات السوق قبل التوجه الى زيادة اسعار البنزين او الكهرباء رغم اهميتها وضرورة الاعتراف بأن الاسعار لا تتناسب مع طبيعة الخدمة في السوق خصوصا الكهرباء.4 - انحراف الإنفاقوهنا لا نتحدث فقط عن الإنفاق الاستهلاكي في الميزانية، بل حتى في نظيره الاستثماري من جهة ان الانفاق العالي على المشاريع، التي بلغت قيمتها هذا العام نحو 9 مليارات دينار معظمها ذو طابع انشائي، لا يساهم في خلق فرص عمل او تحقيق ايرادات عامة غير نفطية للدولة، وبالتالي فإن هذا الانحراف يمكن ان يشكل عبئا على الميزانية مع ان هدفه الاساسي تخفيف الضغط عنها.5 - عدم وجود اقتصاد بديلوالمسألة لا تنحصر في تنمية الايرادات من خلال جباية اموال ورسوم للسلع والخدمات، فهناك متطلبات اكبر تتمثل في خلق اقتصاد بديل ينافس الاقتصاد النفطي، فقد سئم الناس وتدنت ثقتهم لدى الحديث عن المنطقة اللوجستية في شمال الكويت او استثمار الجزر او حتى مدينة الحرير، وهي خطط كان من الممكن ان ترفع نسبة الاقتصاد غير النفطي من الناتج المحلي الاجمالي لو طبقت على ارض الواقع.6 - خطط مفككةرغم وجاهة بعض الإجراءات الحكومية الخاصة برفع بعض اسعار السلع الا انها لم تصب في خانة إصلاح الاقتصاد لأنها جاءت مفككة ولم تأت ضمن مشروع واضح يستهدف معالجة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الكويتي، فلا معالجة لاختلالات سوق العمل ولا خلق لإيرادات غير نفطية بشكل ملموس، ولا حتى وضع حدود لدور الدولة في حجم الاقتصاد، فهناك حاجة لاتخاذ قرارات أكبر وأشمل ووفق خطة واضحة لتصحيح اوضاع تتعلق بأساسيات الاقتصاد. 7 - العجز عن تحقيق الأهدافاليوم نحن نعيش العام الـ 13 من خطة التحول الى مركز تجاري ومالي والعام الـ 7 من خطة التنمية، وجميع المؤشرات الاقتصادية والتجارية والتنموية الصادرة من المنتدى الاقتصادي العالمي تبين ان اوضاعنا قبل اطلاق هذه المشاريع كانت افضل من بكثير من اوضاعنا ومراتبنا بعد اطلاق مثل هذه الخطط... ناهيك عن ان بعض القوانين التي اقرت لتخفيف العبء عن الميزانية كصندوق المشروعات الصغيرة او مشاريع الشراكة اما لا تطبق او يتم تطبيقها على نطاق ضيق.8 - الهدر الماليثمة هدر عال جدا في مصروفات الدولة تعبر عنه تقارير ديوان المحاسبة، الا ان التعامل الحكومي والبرلماني معها اقل بكثير لدرجة جعلت رئيس الديوان السابق المرحوم عبدالعزيز العدساني يعبر عن امتعاضه، في رسالة رسمية، من ان «الديوان قام بالعمل على تفعيل تقاريره وملاحظاته، ويأسف لأن المردود لم يكن على مستوى الطموح، ومن الأهمية أن تتصدى السلطتان التشريعية والتنفيذية لتفعيل تقارير الديوان،». ولعله من نافلة القول ان من يريد الحد من الهدر المالي فعليه اولا ان يقدم نموذجه في الحد من انفاق الادارة العليا، خصوصا لكبار المسؤولين والقياديين على الاقل لتقديم «قدوة حسنة» في نهج الادارة العامة.9 - الخيبة في زمن الفوائضهناك شك بين اغلبية الناس في قدرة من لم يعمل خلال فترة الفوائض المليارية منذ 15 عاما على اصلاح الاقتصاد ان يكون قادرا على التعامل مع تحديات صعبة تستلزم اجراءات دقيقة ومحترفة، وبالتالي فإن هناك رفضاً لاجراءات الحكومة او لنقل عدم رغبة في تحمل كلفة سنوات كان الاصلاح الاقتصادية فيها اسهل بكثير من الآن.10 - إصلاح وقتي أم دائم؟هناك قناعة لدى معظم الناس ان الحكومة نفسها تتمنى ان تعود اسعار النفط الى الارتفاع مجددا كي تتخلص من عبء مواجهة المجتمع في قضية الاصلاح الاقتصادي الذي سوف «يفتح العين» على اختلالات الادارة الحكومية وعجزها عن ايجاد الحلول، فالنفط كان دائما ستارا للعيوب، ولا بأس ان يظل كذلك في المستقبل، لانه ليس هناك خطة اصلاح دائمة يمكن طرحها بلا كلفة على الحكومة التي طالما استخدمت الاموال في الحصول على تحالفات وترضيات سياسية.11 - ودائع لا تكذبتضاعفت ودائع القطاع الخاص خلال سنوات الازمة المالية لتبلغ حسب شهر اكتوبر الماضي 32.5 مليار دينار وهو رقم يشير الى حالة الضعف في الاقتصاد وعدم وجود قنوات استثمارية حقيقية للافراد والمؤسسات يمكن ان تسهم في تنويع الاقتصاد، فالارقام لا تكذب وتعطي افضل الصور عن الواقع وهو ما عبرت عنه هذه الودائع من جهة تكدسها في البنوك رغم تراجع العوائد عليها.12 - إنفاق خارجيلا شك ان للدولة سياسة خارجية يتم فيها استخدام الاموال في تقديم المساعدات والهبات والقروض، وهذه الأموال وإن كانت عبر مؤسسات تمويلية من خارج الميزانية، الا انها تضخمت خلال السنوات الاخيرة بشكل كبير حتى بلغت خلال 3 سنوات ما يوازي 11 مليار دولار وهو مبلغ ضخم خصوصا في ظل عدم افصاح الجهات المانحة عن اليات وعوائد القروض المستحقة للدولة، فضلاً عن عدم التوجه الى الاستثمار في هذه الدول عوضا عن اقراضها او تقديم المنح والمساعدات إليها.الخلاصة: عجز الإدارةلا شك ان اي وثيقة او خطة للاصلاح المالي او الاقتصادي لا يمكن ان تكون مقنعة للرأي العام ما لم تتضمن اصلاح الادارة التي تتولى ادارة الملفات المالية والاقتصادية، خصوصا إذا كانت هذه الادارة قائمة على اساس المحاصصة والترضيات والتحالفات لا البرامج والخطط والاهداف، فضلا عن فشلها سابقا في تحمل ملفات اقل جسامة من ملف العجز المالي واليات التمويل.