الإسلام يقدس حقوق الإنسان
لم يغفل الإسلام حقوق الإنسان، بل كان حريصا على حماية هذه الحقوق التي تكفل للإنسان تحقيق جوهر إنسانيته وازدهار طاقاته وملكاته والنهوض بواقع أمته وحضارته في العصر الحديث، هذا ما يؤكده المفكر الإسلامي د. محمد عمارة في كتابه الصادر حديثا في القاهرة تحت عنوان "الإسلام وحقوق الإنسان".ويطرح المؤلف مسألة وصفها بـ"المفارقة"، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي يبالغ الإسلام في تقديس حقوق الإنسان لدرجة جعلها فرائض شرعية وليست مجرد حقوق يمكن التنازل عنها، يعيش هذا الإنسان المسلم في أغلب ديار الإسلام مجردا من أبسط الحقوق، على حد قوله.
ويعزو عمارة هذه المفارقة إلى ما يكتنف هذا الأمر من الضباب إلى الواقع المنسوب إلى الإسلام والمحسوب على شريعته، وذلك حين أضفى بعض حكام البلاد الإسلامية الذين اغتصبوا السلطة في بلادهم غلالة الإسلام ليصبح هذا السلطان شرعيا، فامتلأت خطبهم السياسية وأجهزة إعلامهم بالكلام عن الإسلام، وقد اتخذت هذه النظم موقفا عدائيا من حقوق الإنسان المسلم في البلاد التي اغتصبوها وحكموها باسم الإسلام، إلى حد الهزل أن يحرموا ذلك الإنسان حقوقا لم يحرمها منه المستعمر.وفى سياق متصل يعزو عمارة كذلك الحالة الضبابية إلى ما يكتبه نفر من الكتاب الإسلاميين عن الطابع الشمولي للدولة الإسلامية على نحو يشبه هذه الشمولية بشمولية النظم المستبدة المعادية للتعددية في الرأي والممارسة السياسية، فالشمولية الإسلامية إنما تستهدف تحقيق المقصد الأول للشريعة وهو العدل، ومن ثم فهي أداة لتحقيق الحقوق الإسلامية للإنسان المسلم ولعموم الرعية، وليست أداة تبرير لحرمان الرعية من حقوق الإنسان، إنها الشمولية التي عبر عنها الصديق أبوبكر بدقة في كلماته "القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له". ويدين المؤلف هؤلاء الكتاب ويحملهم مسؤولية هجوم العلمانيين تلامذة الاستشراق ودعاة التبعية للغرب وادعائهم بعدم صلاحية الدين الإسلامي أن يكون مصدرا لحقوق الإنسان، مؤكدا أنهم حكموا على الفكر الإسلامي من صفحات من التاريخ الإسلامي سودها حكام ظلمة بسواد ظلمة الاستبداد.الأمر الذى دفع عمارة إلى التصدي لهذه الرؤية الظالمة للإسلام لكشف الضباب الذي يحجب الرؤية الصادقة عن موقف الإسلام من حقوق الإنسان، فيصف مؤلفه بأنه رحلة فكرية في المنابع الجوهرية والنقية الأولى للإسلام السياسي يكشف فيها وبها ما تميز به الإسلام على المنظومات الفكرية الأخرى في قضية حقوق الإنسان عندما ارتفع بها من مرتبة الحقوق إلى مستوى الضرورات الواجبة، وليس الهدف من ذلك الاستعلاء على الأمم والمنظومات الفكرية الأخرى بقدر ما هو إنصاف للإسلام من أعدائه الذين يوجهون السهام المسمومة، وإنصافه أيضا من أبنائه السائرين في ركابهم. ويظل الهدف الأول من الكتاب هو تسليح المسلم المعاصر بكل ما يعينه على استخلاص حقوقه الإنسانية الواجبة من كل الغاصبين، ووضع لبنة في البناء الفكري الذي يعين الإنسان المسلم على تصور معالم مشروعه الحضاري المتميز، وصولا لنهضة أمته دون أن تفقد هويتها وتقطع تواصلها الحضاري مع إسلامها الحق وأسلافها العظام.