أين الجامعة العربية؟!

نشر في 09-10-2015
آخر تحديث 09-10-2015 | 00:01
 صالح القلاب سؤال قد لا يجده البعض ضرورياً: لماذا يا ترى لا يكون هناك اجتماع، ولو على مستوى المندوبين الدائمين للجامعة العربية، لتبادل الآراء بشأن التدخل العسكري الروسي السافر في شؤون دولة هي إحدى الدول المؤسسة لهذه الجامعة وللاتفاق إمَّا على مباركة هذا التدخل وتأييده أو على الأقل شجبه وإعلان، ولو حرباً، كلامية من العيار الخفيف ضده؟!

هناك مثل عربي يقول: "السكوت علامة الرضا" والواضح أن هناك من يعطل ولو اجتماعاً تشاورياً لما يسمى "بيت العرب"... وأي بيت؟! وإنّ حالة هذه الأمة العظيمة فعلاً باتت: "لا تسرُّ الصديق ولا تغيظ العدا"... وبالتالي فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم!

كان بعض العرب قد حاولوا إقناع أنفسهم قبل إقناع الآخرين بأن ما تقوله روسيا صحيح ولا تنقصه المصداقية، وأن هدف هذه الأساطيل الجوية والبحرية التي أرسلها الروس إلى سورية هو محاربة "داعش"... والتنظيمات الإرهابية الأخرى، لكن بعدما اتضح أن نصيب هذا الـ"داعش" من غارات القاصفات الروسية لا يتعدى مجرد خمسة في المئة، وأن ما تبقى قد خُصص للمعارضة (المعتدلة) فماذا من الممكن أن يقول هؤلاء يا ترى؟!

المفترض أن تجتمع الجامعة العربية بالمنْدوبين الدائمين أو غير الدائمين في جلسة "عصف فكري"، هذا إذا كان العصف الفكري لايزال مسموحاً به في هذه الجامعة، ليسأل هؤلاء بعضهم بعضاً عما إذا كان بوتين سينتصر في هذه "الغزوة"، وعما إذا كان انتصاره، هذا إن هو انتصر، لن يزيد الخياراتِ السورية إلا سوءاً، وأنه رغم كل ما فعله وما سيفعله بهذا البلد العربي سيمتلك النفوذ الذي يريده لتحديد طبيعة النتائج التي يريدها من غزوه لهذه الدولة العربية؟!

ثم إن المفترض أن يجتمع المندوبون الدائمون، ولو ليسأل بعضهم بعضاً، عما إذا كان فلاديمير بوتين، هذا إن هو انتصر في هذه الغزوة وهو لن ينتصر، سيستطيع إعادة اللُّحمة إلى مكونات الشعب السوري بعدما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، وبعدما تجذرت هذه "الطائفية" القذرة، التي كانت فُرضت فرضاً على هذا الشعب العظيم خلال أكثر من خمسة وأربعين عاماً من عمر هذا النظام، وغدت واقعاً مؤلماً يجب الاعتراف به حتى يصبح بالإمكان معالجته؟

إن المندوبين الدائمين وغير الدائمين في الجامعة العربية يعرفون بالتأكيد أن القوات الأميركية في العراق لم تستطع السيطرة على هذا البلد حتى عندما كان حجمها في ذروته، وهذا يعني أن التواجد العسكري الروسي في سورية، الذي من غير الممكن مقارنته بحجم وإمكانيات التواجد العسكري الأميركي في بلاد الرافدين استناداً إلى أن إمكانيات روسيا لا يمكن مقارنتها بإمكانيات الولايات المتحدة، سيزيد الأمور سوءاً، وأن نتائجه ستكون أسوأ كثيراً من نتائج الاحتلال السوفياتي لأفغانستان.

لقد كان على الجامعة العربية، بمجرد بدء الإنزال العسكري الروسي في قاعدة اللاذقية، أن تعقد اجتماعاً استثنائياً على الفور، ليس لإعلان الحرب على الروس، لا سمح الله!، ولكن لمناقشة ما إذا كان هذا التدخل، الذي يستند إلى هذا التحالف (حلف بغداد الجديد) الذي يضم روسيا وإيران والنظامين العراقي والسوري، سيفتح أبواب "الإرهاب" في منطقتنا على مصاريعها، وما إذا كان "داعش" هو المستفيد الأول بعد نظام بشار الأسد مباشرة من هذا الغزو الذي ستثبت الأيام قريباً أنه أسوأ كثيراً من الغزو السوفياتي لأفغانستان.

لَيسَ يُنجي مُوائِلاً مِن حِذارِ

رأس طودٍ أو حرة رجلاء

 ويقيناً، فإن وضع بعض العرب أكُفَّهم فوق عيونهم حتى لا يروا حقائق هذا الذي غدا يجري في سورية ستكون عواقبه وخيمة، فهؤلاء سيجدون أنفسهم أمام رأي عام يَعتبر أن المُستهدف بهذا الغزو الروسي، وبهذا الحلف الرباعي هو الأكثرية الإسلامية، وبالتالي فإنهم سيجدون أنفسهم في مواجهة مدٍّ إرهابي لا يمكن مقارنة "داعش" به لا من قريب ولا من بعيد... واللهم اشهد!

back to top