المساعدات المالية أنجع الأسلحة لمحاربة الفقر

نشر في 17-10-2015
آخر تحديث 17-10-2015 | 00:01
في حين يرى البعض أن هناك علاقة بين الفقر والسلوك السيئ في المجتمع، وأن تحسُّن الأحوال المادية للفقراء سيحسن أحوالهم العاطفية والسلوكية والشخصية، يذهب آخرون إلى أن تحسن وضعهم المالي يفضي إلى تشجيع السلوك السيئ لديهم ويدمر حياة العائلات.
 بلومبرغ • يدور جدال نموذجي كلما تطرق الناس الى مسألة مكافحة الفقر في العالم، إذ يحاول المحافظون تحميل الفقر تبعة السلوك السيئ الذي يصدر عن الفقراء، ويقولون إن ذوي الدخل المتدني إذا تزوجوا وتجنبوا المخدرات وجهدوا في عملهم ولم يرتكبوا جرائم فإن الفقراء سوف يحصلون على المزيد من الأموال، بينما يؤكد الليبراليون أن بنية المجتمع هي التي تسبب الفقر، لا فشل الأفراد، وأن الأطفال الفقراء يبدأون حياتهم وسط ظروف غير مواتية نتيجة الفصل السكني والمدارس الرديئة، في حين أن أرباب العمل الأقوياء يخفضون أجور العمال غير المهرة، ما يجعل من الصعب بالنسبة لهم تفادي الفقر. ويقول الليبراليون إنه حتى السلوك الجيد لن يمكن الفقراء من تحقيق تقدم في حياتهم.

مجادلة مملة ومألوفة

هذه مجادلة مملة ومألوفة، وأنا متأكد أن الحقيقة – كما هي العادة – تكمن في مكان ما بين النظرتين، ولكنني قرأت بعض البحوث الحديثة التي قد تغير وجهة نظري بالنسبة الى الجانب الليبرالي من الجدال، فنحن نبدأ – بشكل أساسي – في معرفة أن ما يطلق المحافظون عليه "السلوك السيئ" هو في أغلب الأحيان نتيجة التنشئة الفقيرة.

وتوجد، في المقام الأول، ورقة عمل جديدة من اعداد راندل أكي وايمليا سيمونوفا وجين كوستيلو ووليم كوبلاند من مكتب البحوث الاقتصادية الوطني، توصلوا فيها الى نتيجة تقول إن اعطاء المال الى العائلات الفقيرة – اضافة الى المساعدات التي تتلقاها- سوف يحسن سلوك أطفالها الى حد كبير.

نحن نفحص كيفية ودور التغيير الايجابي في دخل العائلات وتأثير ذلك على الجوانب العاطفية والصحية لدى الأطفال، وتشير النتائج التي توصلنا اليها الى وجود تأثيرات جيدة كبيرة وراء تحسن الوضع المالي للعائلات بالنسبة الى الجوانب العاطفية للأطفال وسلامة سلوكهم وشخصيتهم وتطورها، ويبدو أن العلاقات ضمن العائلة تشكل آلية مهمة للغاية، وثمة أدلة أيضاً على أن شريحة من السكان تتقدم نحو مسارات أفضل عندما يتحسن مستوى دخلها وتحصيلها العلمي.

ومثل العديد من خبراء الاقتصاد في هذه الأيام عمد مؤلفو الدراسة إلى اتباع تجربة طبيعية من أجل اختبار نظريتهم، وقد تبين لهم أن فتح كازينو في غربي كارولينا الشمالية سيوفر تدفقات مفاجئة من النقد الى أفراد قبيلة محلية هناك تدعى ايسترن شيروكي – حوالي 4000 دولار في السنة لكل شخص بالغ فيها، كما تبين للباحثين انه في أعقاب هذه النعمة المفاجئة بدأ الأطفال الفقراء في تلك القبيلة بصورة غير متوقعة بتحقيق تقدم في الاجراءات النفسانية العاطفية المتعددة.

التغيير ليس سريع الزوال

تمكن الباحثون من تأكيد حقيقة تقول ان هذا التغيير ليس من النوع السريع الزوال وذلك من خلال مراقبتهم لتلك التطورات عبر فترة طويلة من الوقت – وأن الأطفال الذين حصلت عائلاتهم على تلك الأموال تمكنوا من الحصول على وظائف ذات أجر أعلى عندما وصلوا الى سن الخامسة والعشرين. وبحسب نظرية راندل أكي فإن الجزء الأكبر من هذا التحسن جاء عن طريق التطور الجلي في علاقات العائلات وتحقيق مزيد من الانسجام بين أفرادها. وتشير عمليات فحص ومتابعة تلك العائلات الى أن الآباء شعروا بقدر أكبر من السعادة نتيجة حصولهم على المزيد من المال وهو جانب أفضى الى خفض المشاحنات والخلافات بينهم، وترى الدراسة أن ذلك قلص حجم الجهد والضغط على الأطفال وجعلهم أفضل صحة وأكثر سعادة ومكنهم من التمتع بحياة أكثر انتاجية.

ويخالف هذا طبعاً الرأي الذي يقول إن تحسن الوضع المالي يفضي الى تشجيع السلوك السيئ وتدمير حياة العائلات.

الدليل الكبير الآخر لم يصدر عن اقتصاديين بل عن مصادر في ميدان العلوم العصبية، وقد أظهرت دراسة نشرتها هذه السنة مجلة "تيتشر" للعلوم العصبية وجود علاقة بين تركيبة دماغ الطفل ودخل عائلته، واذا أردنا تبسيط الصورة نقول إن العلماء توصلوا الى وجود تداخل بين الدخل الأعلى للعائلة وتميز الطفل بدماغ أكبر.

وكما نعلم كلنا فإن ذلك الترابط ليس سببياً بالضرورة ولذلك فإن من الأهمية بمكان أن نؤكد أن فوارق الدخل تسبب بشكل فعلي تغيرات في نمو دماغ الأطفال، وهذا ما دفع العلماء الى التخطيط لاجراء اختبارات عن طريق تقديم مبالغ مالية بشكل عشوائي الى عدد من العائلات الفقيرة ومراقبة ما اذا كانت بنية أدمغة أطفالها سوف تتطور بمرور الوقت، ويقول فريق طبي إن النتائج حتى الآن كانت مشجعة في الدول النامية – ويتعين علينا الآن معرفة ما اذا كانت النتائج العصبية سوف تماثل تلك الحصيلة.

نتائج علمية

تلك النتائج ليست مجرد تطورات من المجهول، فهي جزء من برنامج بحوث في ميدان العلوم الاجتماعية والبيولوجية، ويبدو أن العلماء توصلوا الى حقيقة تؤكد أن السلوك السيئ هو حصيلة معاناة من الفقر، ويقول باحث اقتصاد من جامعة هارفارد يدعى سندهيل مولينثان إن الأنشطة غير الصحية من جانب الفقراء تستخدم في أغلب الأحيان على شكل آلية تكيف.

ويتعين على هذا البحث أن يغير طريقة تفكيرنا ازاء الفقر والرفاه، وحتى اذا كان السلوك السيئ سوف يجعل الفقر أكثر سوءاً فإن من الصحيح أيضاً أن الفقر يسبب السلوك السيئ في المقام الأول، ومن خلال تقديم المال الى الفقراء قد نتمكن من كسر هذه الحلقة.

ثم إن تحسين ظروف وأوضاع الأطفال الفقراء ليس جيداً بالنسبة لهم فقط فهو أيضاً كذلك بالنسبة الى المجتمع الذي يعيشون فيه، ومن جهة اخرى فإن الأطفال الذين يتمتعون بقدر أكبر من الاستقرار العاطفي يتوجهون بقدر أقل نحو الجريمة والعنف في المدارس وفي حياتهم الاجتماعية، ما يفضي إلى مزيد من الأمن والسلامة في البلاد، ومن هذا المنطلق يتعين ألا نعتبر تخفيف الفقر مجرد مهمة احسان وشفقة، لأنه سوف يجعل الولايات المتحدة رقعة أفضل بالنسبة الى كل الأميركيين.

* Noah Smith

back to top