لمحة من التاريخ!
التاريخ هو صناعة البشر، يجب ألا ننظر إلى التاريخ على أنه مقدس، فهناك رجال ونساء مروا في التاريخ، ووضعوا بصماتهم، سواءً كانوا من المسلمين أو من غير المسلمين، ونحن ندين بالتقدم البشري، والتقدم الحضاري الإنساني لهؤلاء، وربما نجني ثمرات هذا التاريخ سلباً أو إيجاباً، خيراً أو شراً، ولكن لو كنا في مواقعهم لربما اختلفت رؤيتنا إلى هذا التاريخ... المهم ألا نجعل من هذا التاريخ قيداً يشدنا إليه، فإذا كان أجدادنا قد اختلفوا على ناقة، أو على بئر من الماء، أو على اجتهاد فقهي، فلا يجوز أن يستمر ذلك الخلاف ليكون سبباً في كراهية بعضنا البعض!ففي مراحل الانفتاح التي مرت بها الحضارة الإسلامية، وتحديداً حقبة المأمون، بلغت حضارتنا العالميةَ بسبب إيمانها بالتعددية، تعدد عقائدي، تعدد ديني... والكل يعرف أن موسى بن ميمون كان يهودياً نبغ في حضن الحضارة الإسلامية، بل نبغ اليهود الذين كانوا يشاركون في صنع القرار في الحضارة الإسلامية... فبالسماحة والانفتاح على الآخر استطعنا أن ننهض، ولكن عندما بدأنا بالقول: "أنا... وبعدي الطوفان" بدأ ينشأ في المنطقة فكر تدميري! حتى أصبح الاعتماد الكلي في قيادة الأمة مرتبطاً بالفكر الفردي، وصار الناس في بلادنا ينتظرون المُخلص، وينتظرون المنقذ، وينتظرون هذا الزعيم الذي يضع لهم بعصاه السحرية مشروعاً نهضوياً يُلحقهم بالحضارة الإنسانية!
بيد أن واقع الحال، من الأمثلة التي نراها أمامنا عند الأمم المتقدمة، أن الأفراد قد يكونون مؤثرين، لكن الحضارات لا تقاد بأفراد، ولا حتى بجماعات، إنما تُقاد بمشروع، تقاد بمؤسسات. نحن معجبون بمنهجية الغرب، بحرياته، بمؤسساته، بطريقة التفكير المنهجية العقلانية... قد نختلف سياسياً معهم بسبب مناصرتهم ومؤازرتهم للصهاينة في فلسطين، لكننا لا نختلف على أنه يجب أن تسود الديمقراطية في العالم العربي، ولا نختلف على أن الإنسان العربي يجب أن يأخذ حقه من العيش بحرية وكرامة... لا نختلف على حق المرأة في التساوي، كمواطنة لها الحق في ممارسة عملها السياسي، والإسلام يعطيها هذا الحق.علينا أن نأخذ عبرة من التاريخ... بل ونحاكم التاريخ! فهو ليس مقدساً!وبكل أسف تمر أمتنا الآن بحقبة لا تقاس من حيث مساوئها بأي حقبة تاريخية كنا قد مررنا بها! فمن غير المنطقي ولا المعقول أن تدب العداوة بين بيتين متجاورين في اختلافهما المذهبي، أو لانتمائهما في الأصول والأعراق! وإن كان استفحال هذا الأمر سببه التخلف السياسي، ومناهج التعليم، والإعلام القائم على الارتجال والتجهيل والتهميش!لمحة تاريخية كتبتها من على سرير المستشفى!