{الكثبان}... الرواية الخيالية التي غيَّرت العالم

نشر في 16-08-2015
آخر تحديث 16-08-2015 | 00:01
• 50 سنة على صدورها
باعت ملايين النسخ وهي تُعتبر على الأرجح أعظم رواية من فئة الخيال العلمي وما كانت سلسلة {حرب النجوم} لتنشأ لولاها. يُفترض أن تبقى رواية {الكثبان} للكاتب فرانك هربرت قصة خيالية مهمة سياسياً من {العصر الجديد}. صحيح أن رواية {الكثبان} فازت بجائزتَي {نيبولا} و{هوغو}، وهما من أهم الجوائز في مجال روايات الخيال العلمي، لكنها لم تنجح تجارياً بين ليلة وضحاها. فقد تنامت قاعدة المعجبين بها على مر الستينيات والسبعينيات، وتم تداولها بين مجموعات القراءة والمختبرات والاستوديوهات وفي أي مكان تبدو فيه فكرة التحول العالمي جذابة. بعد خمسين سنة، يعتبرها كثيرون أعظم رواية من فئة الخيال العلمي وقد باعت ملايين النسخ حول العالم.

لو كنت تسير على كثبان رملية بالقرب من فلورنس، أوريغون، في عام 1959، قد تكون قابلتَ هناك رجلاً ملتحياً وقوي البنية، يتجوَّل مرتدياً نظارَتَي {ريبان أفياتور} وزياً عسكرياً عملياً. كان الكاتب المستقل فرانك هربرت الذي يدعم القضايا البيئية يبحث عن قصة لنشرها في إحدى المجلات عن برنامج وزارة الزراعة الأميركية الرامي إلى تثبيت الرمال المتحركة عبر استعمال نبات قصب الرمال. بسبب الرياح القوية الآتية من المحيط الهادئ، تحركت الكثبان الرملية شرقاً ودفنت معها كل ما وجدتُه في طريقها. استعان هربرت بطائرة خفيفة من طراز {سيسنا} لرؤية المشهد من الجو. ثم كتب في رسالة إلى مدير أعماله: {يمكن أن تكون هذه الأمواج الرملية مدمِّرة بقدر أمواج المحيطات. حتى إنها تسبّبت بمقتل بعض الناس}. أكثر ما أثار اهتمامه هو احتمال هندسة نظام بيئي لتشجير منطقة صحراوية عدائية.

كان الكاتب فرانك هربرت يوشك أن يبلغ الأربعين من عمره وقد بدأ العمل في مجال الكتابة منذ أن كان في التاسعة عشرة، لكن لطالما كانت أرباحه موسمية. بعد طفولة صعبة في مجتمع ساحلي صغير بالقرب من مدينة تاكوما، واشنطن، حيث كان يستمتع بصيد السمك وركوب القوارب، عمل في صحف محلية عدة في شمال غرب منطقة المحيط الهادئ وكان يبيع قصصاً قصيرة للمجلات. خاض حرباً سهلة نسبياً، فعمل طوال ثمانية أشهر كمصور بحري قبل أن يتلقى إعفاءً لأسباب طبية. ثم أمضى فترة غريبة في واشنطن ككاتب خطابات لصالح سيناتور جمهوري. هناك، كان يحضر يومياً جلسات الاستماع بين الجيش الأميركي ومكارثي لرؤية قريبه السيناتور جوزيف مكارثي وهو يهاجم الشيوعية. كان هربرت نتاجاً مثالياً للثقافة التحررية في ساحل المحيط الهادئ، وكان يتكل على نفسه ولا يثق بالسلطة المركزية ويحمل في الوقت نفسه رؤية مستقبلية مثالية ويبدي استعداده الدائم لخوض التجارب. لكن لطالما كان مفلساً. في الفترة التي كتب فيها رواية {الكثبان} (Dune)، كانت زوجته بيفرلي آن المعيلة الأساسية للعائلة، وقد تزامنت مسيرتها في عالم الكتابة مع عملها في إنتاج نسخ إعلانية لعدد من المتاجر.

بعد فترة قصيرة، تحوَّلت أبحاث هربرت عن الكثبان الرملية إلى أبحاث عن الصحارى والثقافات الصحرواية. دعّمت هذه الأبحاث مقالته عن شجاعة المسؤولين في وزارة الزراعة الأميركية (اقترح عنوان {لقد أوقفوا الرمال المتحركة!}) وسرعان ما تحولت إلى روايتين قصيرتين ومتسلسلتَين من فئة الخيال العلمي في مجلة “وقائع وخيال عن العلوم التناظرية”، وهي واحدة من أبرز المجلات المرموقة. لكن لم تكن النتيجة مُرضِية بالنسبة إلى هربرت، لذا أعاد العمل على القصتين وحوّلهما إلى ملحمة عملاقة واحدة. كانت دور النشر في تلك الحقبة مقتنعة بأن قرّاء قصص الخيال العلمي يفضلون أن تكون القصص قصيرة. رفضت أكثر من 20 دار نشر رواية {الكثبان} (400 صفحة في النسخة الأولية، ونحو 900 صفحة في الكتاب الورقي الذي أملكه في مكتبي) قبل أن تقبله دار {شيلتون} في فيلادلفيا، وهي معروفة بنشر مجلات تجارية وترفيهية مثل Motor Age وJewelers’ Circular وDry Goods Economist.

***

تدور أحداث رواية {الكثبان} في المستقبل البعيد حيث يحكم إمبراطور المجرة المتوحش العائلات النبيلة المتناحرة. كجزءٍ من التشويق السياسي البيزنطي، يُجبَر الدوق النبيل {ليتو}، ربّ عائلة {أتريدس}، على نقل أسرته من كوكبهم الأم {كالادان} الذي كان أشبه بجنة إلى الكوكب الصحراوي {أراكيس} المعروف باسم {الكثبان}. يكون المناخ على كوكب {الكثبان} عدائياً على نحو مرعب. المياه نادرة جداً هناك لدرجة أن السكان يضطرون لارتداء بذلات خاصة حين يقررون الخروج لحبس رطوبة الجسم وإعادة تدوير مياهه لشربها. عائلة {هيركونين} هي أكبر عدوّة لعائلة {أتريدس}، وهي تشمل مجموعة من الأشرار المترفين الذين يستمتعون بتعذيب الناس ويكون زعيمها، البارون {فلاديمير}، بديناً لدرجة أنه يضطر إلى استعمال {مضادات جاذبية} أثناء تنقّله. كانت عائلة {هيركونين} تسيطر على كوكب {الكثبان} الذي يتمتع بأهمية استراتيجية كبرى، رغم مناخه المريع والبدو العدائيين الذين يسكنون في صحرائه: تُعتبر صحراؤه الجنوبية الكبرى المكان الوحيد في المجرة الذي يشهد استخراج سلعة قيّمة جداً: إنها توابل {ميلانج}. تكون هذه التوابل أشبه بدواء له منافع متعددة مثل تطوير إدراك عالي المستوى للزمان والمكان لدى الطيارين الذين يقودون المركبات الفضائية المتنقلة بين النجوم. من دون تلك التوابل، سينهار نظام التواصل والنقل كله. تسبّب إدماناً شديداً وتشمل آثارها الجانبية تحويل عين المستخدم إلى اللون الأزرق الداكن.

نبوءات قديمة

 تكون عملية استخراج التوابل خطيرة، ليس بسبب العواصف الرملية وهجوم البدو فحسب، بل لأن الضجة تجذب الديدان الرملية العملاقة وحيوانات فرس البحر على طول مئات الأمتار، وهي تتنقل داخل الكثبان الرملية كما تفعل الحيتان في المحيط. هل تخلت عائلة {هيركونين} فعلاً عن كوكب {الكثبان}، مصدر الثروات المدهشة؟ طبعاً لا! تتلاحق مواقف الخداع والمآسي وينجو الشاب {بول} من مذبحة دموية شاملة ويهرب إلى الصحراء العدائية المفتوحة برفقة والدته.

سرعان ما تظهر مؤشرات على تمتّع {بولْبموهبة خارقة، ويشتبه الناس بأنه قد يكون المخلص المنتظر الذي تحدثت عنه النبوءات القديمة. تنشئ والدته {جيسيكا} جمعية نسائية بارزة وسط النظام الذكوري الذي يطغى على المجرة، وهي عبارة عن أخوية نسائية دينية اسمها {بيني جيسيرت}. تكون الأخوات في الجمعية حذقات وقويات البنية، فيتدربن على برنامج لتحسين النسل ويمكن أن يبلغ المشروع ذروته عبر شخص {بول}.

يبدو هذا النظام مستوحىً جزئياً من قصص المريخ الواردة في كتب إدغار رايس بوروز وآيزك أسيموف، فضلاً عن حكايات كتبها عالِم الكيمياء الغذائية المولود في إيداهو، إيلمر إدوارد سميث، وهو مؤلف أوبرا الفضاء الشهيرة {لينسمانْ خلال الأربعينات والخمسينات، حيث يشارك الأبطال الذين يشتقون من برنامج تحسين النسل في {دورية المجرّة} المؤلفة من رجال شرطة يتمتعون بقدرات روحية خارقة.

بالنسبة إلى سميث، كانت حالات الوعي المتبدلة أدوات أساسية كي يستعملها الأشخاص البيض الصالحون لتطهير الأنظمة الشمسية كلها من المخرّبين والغرباء وكل من يتمتع بخصائص غير مرغوب فيها. لم يكن هربرت من جهته صديقاً للحكومة الكبرى، فقد كان يطالع مؤلفات كارل يونغ. في عام 1960، عرّفه صديقه البحّار على المفكر آلن واتس الذي كان يعيش في مركب في سوساليتو. ساهمت محادثاته الطويلة مع واتس، الذي كان أبرز من مهّد لدخول تقنيات التأمل إلى الثقافة المضادة السائدة على الساحل الغربي، في تحويل مغامرة هربرت المتسارعة إلى وسيلة لاستكشاف معنى الزمان وحدود الهوية الشخصية وعلاقة العقل بالجسم.

تعكس كل فكرة خيالية المكان والزمان اللذين أنتجاها. إذا كانت قصة {سيد الخواتم} (Lord of the Rings) تتمحور حول نشوء الفاشية وصدمة الحرب العالمية الثانية، وإذا كانت رواية {صراع العروش} (Game of Thrones)، بجانبها السياسي الساخر وشخصياتها المضطربة والشجاعة، تُعتبر قصة خيالية عن الليبرالية الجديدة، فيمكن اعتبار رواية {الكثبان} قصة خيالية نموذجية عن {العصر الجديد}. تندمج المخاوف التي تطرحها (الإجهاد البيئي، القدرات البشرية، حالات الوعي المتبدلة، ثورة البلدان النامية ضد الإمبريالية) لتشكيل رؤية ترسم معالم حقبة كاملة وتتمحور حول التحول الشخصي والكوني.

تختلف طرق قراءة الكتب لأن العالم يصلح نفسه استناداً إليها، وتعكس رواية {الكثبان} في عام 2015 أصداءً جيوسياسية لم تكن تحملها في عام 1965، قبل أزمة النفط واعتداءات 11 سبتمبر. هل تذكرون كيف استُعمل نبات قصب الرمال لتعزيز تلاحم تلك الكثبان المتحركة؟ {بول أتريدس} هو شاب أبيض يحقق حلماً استعمارياً مستمراً: أن يصبح ملك شعب قبلي.

 يدين هربرت، في طريقة وصفه لشعب {فريمان}، لأشخاص مثل توماس إدوارد لورنس وويلفريد ثيسيجر اللذين وصفا بكل حماسة البدو العرب في صحراء الربع الخالي. وُصفت ثقافة {فريمان} بكلمات مأخوذة حرفياً من اللغة العربية، فهم يرتدون {العبايات} و{البرقع} ويخشون {الشيطان}... هم أشخاص صارمون ومتفاخرون ومنصفون نسبياً. لقد رسّخت فيهم قساوة بيئتهم روح الأخوة والتعاون. يسمّيهم كيبلينغ {أحد الأعراق القتالية}: لا مفر من الإعجاب بهم كونهم لا يتمتعون بأي من الخصائص {الشرقية} السلبية (مراوغة، كسل...). لكنهم ليسوا نسخة مطابقة من البدو: يخلط هربرت بكل حرية بين عناصر التأمل والهدوء داخل نظام قناعاتهم ويشير إلى أن الإيمان بمجيء المخلص (مثلما كانوا {ينتظرون} مجيء {بول}) ربما يشتق من معتقدات سابقة أنتجتها جمعية {بيني جيسيرت} كجزءٍ من خططها الغامضة لتحسين النسل.

 تبدو شخصيات هربرت النسائية قوية وناشطة دوماً، وهو يتخلى أيضاً عن الانقسامات الجنسية الصارمة التي تكون سائدة في الثقافة البدوية. لذا تؤدي نساء {فريمان} دورهنّ في القتال ويعارضن الرجال بلا خوف، لكن ثمة نسبة معقولة من واجبات الإنجاب والأعمال المنزلية التي يجب أن تطبّقها المرأة فيما يتولى الرجال ركوب الديدان.

صدق في طرح الشخصيات

ما يجعل رواية «الكثبان» قريبة إلى الواقع (أكثر من منظر الممثلة إيميليا كلارك وهي تضع شعراً مستعاراً أشقر ويحملها بعض «العبيد» السمر غير المنتمين إلى عرق محدد في مسلسل «صراع العروش»)، هو الصدق الذي يستعمله هربرت للتعريف عن شعب «فريمان». هو المحور الأخلاقي للقصة وليس مجرّد مجموعة جاهلة تحتاج إلى التحضّر. لا يحوّلهم «بول» إلى نسخة منه بل يشارك في ثقافتهم ويتحوّل بنفسه إلى النبي «موديب». إذا كان «بول» في جزءٍ منه شبيهاً بشخصية «لورانس العرب» حين يقود رجاله إلى العقبة، سرعان ما يصبح بمصاف «المهدي» أيضاً. تذكر رواية «الكثبان» هذه الكلمة في «أسطورة المخلّص الذي ينتظره شعب «فريمان»، باعتباره الرجل الذي سيقودهم إلى الجنة».

في المعتقدات الإسلامية، لدى «المهدي» تاريخ طويل ومعقد. ادعى قادة كثيرون أنهم «المهدي» أو حصلوا على لقبه. بالنسبة إلى البريطانيين، سيحمل ذلك الشخص دوماً اسم النبي المحارب الذي اجتاح السودان خلال الثمانينيات وقتل الجنرال غوردون على عتبات قصر في الخرطوم، ما أدى إلى صدور آلاف الصحف الوطنية.

 حين يصبح مصير «بول» واضحاً بالنسبة إليه، يبدأ بمشاهدة رؤى عن «جحافل متعصبة تتبع راية «أتريدس» الخضراء والسوداء، فتنهب وتحرق كل شيء في أنحاء الكون باسم النبي «موديب»». إذا قَبِل «بول» بهذا المستقبل، سيكون مسؤولاً عن «سيوف الجهاد الدموية»، وسيطلق آلية حرب بدوية من شأنها الانقلاب على الفساد والحكم القمعي للإمبراطور «شادام» الرابع لكنها ستقتل مليارات الناس في طريقها. في عام 2015، لا شك أن قصة نبي أبيض يقود مجموعة من المجاهدين السمر من أصحاب العيون الزرقاء ضد حاكم اسمه «شادام» ستنتج أثراً انعكاسياً غريباً وممتعاً، وكأن أحداً خلط أجزاء التاريخ الحديث وأعاد لصقها بترتيب مختلف.

***

بعد نشر كتاب {الكثبان}، تابع هربرت، ذلك الكاتب المستقل البارع، القيام بمهام متعددة في الوقت نفسه. فكان يكتب عن التعليم في مجلة Seattle Post-Intelligencer ويلقي المحاضرات في جامعة واشنطن. في عام 1972، خلال الحملة الأميركية للتحرر من مستنقع جنوب شرق آسيا، عمل في فيتنام كجزءٍ من مشروع يهدف إلى تقليص عملية التجنيد في منظمة {فيت كونغ} عبر فرض تدابير تضمن الإصلاح الزراعي.

بنى منزلاً عائلياً على شبه الجزيرة الأولمبية واعتبرها {مشروعاً بيئياً تجريبياً}. كذلك ابتكر نظاماً خاصاً به لتجميع الطاقة الشمسية وبنى محطة رياح ومولّد وقود الميثان. في مقابلة أجراها في عام 1981، اعتبر نفسه {فلاحاً تكنولوجيا}. مع توسّع شهرة رواية {الكثبان} خلال السبعينات، كتب سلسلة من الأجزاء المشوقة التي تتبع قصة أحفاد {بول} الذين يحققون المصير الكوني لسلاسة {أتريدس}. منذ وفاته في عام 1986، أصدر ابنه وكاتب آخر 13 كتاباً إضافياً.

السياسة التحررية

صحيح أنّ هربرت الذي حلم دوماً بتشجير الصحراء حقق نجاحاً باهراً في سنواته الأخيرة، لكنه كان يحمل مشاعر مختلطة بشأن المستقبل. في رواية «الكثبان»، ابتكر شخصية «كينس»، «أول عالِم كواكب في «أراكيس» (وبطل المسودة الأولية للرواية)، وهو يعتبر أن «هامش الحرية يتراجع تزامناً مع تراجع الأعداد السكانية بعد نقطة محورية داخل الفضاء المحدود.

 ينطبق الأمر على البشر الموجودين في مساحة محدودة من النظام البيئي للكوكب وعلى جزيئات الغاز في أي قارورة مغلقة. لا تتعلق المسألة الأساسية بعدد البشر الذين يمكن أن ينجوا داخل نظام مماثل، بل بنوع الوجود الذي يمكن أن يعيشه الناجون». كانت المالتوسية القاتمة رائجة خلال الستينات والسبعينات. في عام 1968، حقق كتاب «القنبلة السكانية» (The Population Bomb) للكاتب بول إيرليش أعلى المبيعات، وقد توقع حصول مجاعة ما لم ينحصر النمو السكاني.

يعكس جانب آخر من تقييم الحركة الخضراء للتراجع السكاني والاتكال على الذات وجود علاقة معقدة مع الحشود ومع فكرة النمو الاقتصادي بشكل عام. عززت السياسة التحررية التي طرحها هربرت هذه المخاوف.

في رواية «الكثبان»، يدرك «بول» أن ازدهار الكوكب الصحراوي يعني أنه سيدعم عدداً أكبر من السكان وبالتالي ستنقرض مبادئ النزعة الفردية. حين تحوّل هو شخصياً من أرستقراطي إلى «المخلّص المنتظر»، خسر نزعته الفردية وبدأ يتحول إلى أسطورة وأصبح جزءاً من اللاوعي الجماعي الذي تحدث عنه كارل يونغ. لكن قد يشعر هربرت ببعض الراحة حين يعلم أن التاريخ لا يبدو غائياً ولا يكون بعض الخطط مصيرياً على المدى الطويل. بعد خمسين سنة على نشر رواية «الكثبان»، لا تزال وزارة الزراعة الأميركية تعمل على تحسين كثبان أوريغون عبر اقتلاع نبات قصب الرمال الذي ينتمي إلى «فصيلة دخيلة وغير محلية». يريدون أن تستعيد الكثبان وضعها الطبيعي.

فيلم ضخم

كان لا بد من أن تتحوَّل رواية «الكثبان» إلى فيلم ضخم. حاول المخرج التشيلي المبتكِر أليخاندرو جودوروسكي صنع فيلم مقتبس من الرواية وكانت محاولته تنذر بصدور أعظم الأفلام في مجال الخيال العلمي. تعاون جودوروسكي مع خبراء مدهشين: موبيوس وجيغر لتصميم المؤثرات البصرية، والمصمم الإنكليزي كريس فوس لبناء المركبات الفضائية.

كان يُفترض أن يؤدي أورسون ويلز دور البارون «هيركونين» وسالفادور دالي دور الإمبراطور. وكان يُفترض أن ينضم بينك فلويد وماغما إلى فريق العمل لتحضير الموسيقى التصويرية. لكن انهار مشروع جودوروسكي منذ البداية بسبب منتجي هوليوود الذين يخشون أخذ المجازفات.

بعد فترة من الركود في القطاع السينمائي، صوّر ديفيد لينش نسخة سينمائية في عام 1984، لكن أصدرت شركة «يونيفرسال» جزءاً مقتطعاً منها وقد كرهه لينش لدرجة أنه طلب حذف اسمه من طاقم العاملين في الفيلم. يبدو فيلم لينش أفضل بكثير من سمعته السيئة. لكن رغم مشاركة ستينغ في العمل والموسيقى التصويرية الجميلة، لا يمكن أن يضاهي هذا الفيلم عظمة الملحمة التي فشل جودوروسكي في إصدارها.

سرعان ما صدرت النسخة الضخمة من رواية «الكثبان» وحملت عنوان «حرب النجوم» (Star Wars). في النسخ الأولية، شملت هذه القصة التي تتمحور حول كوكب مهجور وإمبراطور شرير وفتى له مصير كونيّ عائلات نبيلة متناحرة وأميرة تحرس شحنة اسمها {توابل الهالة}. تكثر الاقتباسات من رواية {الكثبان} في عالم {حرب النجوم}، بدءاً من قدرات {الجيداي» العقلية التي تشبه قدرات «بيني جيسيرت» وصولاً إلى عمليات الاستكشاف و{حبس الرطوبة» في كوكب «تاتوين». كان هربرت يعلم أن كثيرين سرقوا أفكاره وقد لاحظ وجود أفكار مأخوذة من كتّاب آخرين في سلسلة «حرب النجوم» الناجحة للمخرج جورج لوكاس. لذا شكّل مع عدد من زملائه منظمة ساخرة اسمها «نحن أكبر من أن نقاضي جورج لوكاس».

back to top