الشاعر بلال المصري: حفنة من السطحيين تسيطر على المشهد الثقافي اليوم

نشر في 25-12-2015
آخر تحديث 25-12-2015 | 00:01
الشاعر بلال المصري: حفنة من السطحيين
تسيطر على المشهد الثقافي اليوم
في ديوانك الجديد «خفيفاً كزيت يضيء» تتخذ الأشياء معاني جديدة وتنقلب الأدوار في سريالية ربما هادفة إلى تغيير الواقع، فإلى أي مدى يستطيع الشاعر أن ينقل هذا النبض إلى القارئ؟

لدى التطرق للحديث عن القارئ علينا التأمل ملياً بما نقول، فالقارئ ليس كائناً مستقراً في مزاجه، وهو يختلف من عصر الى آخر ومن بيئة اجتماعية إلى أخرى، القارئ كائن متعدد الوجوه والخلفيات والانتماء، وهو أيضا {أنا} الشاعر غير المستقرة، بدورها، لانشغالها الدائم في عملية البحث والتنقيب عن الحقيقية، لكن في نطاق الخيال الخلاق، لذا الحديث عن مسألة تغير الواقع عبر الشعر والكتابة، مسألة رومانسية ربما نحن فقط نكتب لنقول شيئاً للذين بإمكانهم تغيير العالم.  

في قصائدك تؤنسن الطبيعة وتخاطبها فهل هي محاولة لفهم ذاتك من خلال حوارك مع البيئة المحيطة بك؟

عندما يموت الإنسان يذهب ليعيش حياة أخرى، تصير قلوب البشر مزيداً من هذه التربة التي نطأها بأقدامنا وتزيد عيونهم مدى لهذا المدى الحافل بالأسرار، وتصير أجسادهم الشجر والعشب، الطبيعة هي الإنسان الأول على هذه الأرض، تتنفس، تعطش وترتوي، تجوع، تحيا وتموت، وهذا ما يمثل موتنا أكثر من مرة،  لكننا نعيش حياة واحدة، وفي أعماقنا الكثير من البشر الذين ذهبوا هم أيضاً، فكيف يمكن للإنسان فهم ذاته، وهي على الأرجح ليست هو، بل كثر من الناس الذين حمل جيناتهم التي فرضت نفسها على وجوده وتصرفاته وانفعالاته، لا نستطيع أن نفهم أنفسنا لأنها بالغالب ليست نحن!

كل قصيدة من قصائدك حالة مستقلة بحد ذاتها، فهل تحاول من خلالها الغوص في عمق المشاعر بغية اكتشافها؟

لا يمكن أن نكتشف حقيقة المشاعر من دون تجربة حقيقية، وبالتالي أي محاولة مفتعلة للاكتشاف، ستنتج، بالضرورة،  اكتشافاً مزيفاً سطحياً وغير إنساني البتة، بل عمل يشوه المشاعر الإنسانة، وعلى الانسان  التماهي مع حقيقية حالته الأصيلة بالحياة، وعيشها ببساطة وصدق، وهذا ما ينتج بحق اكتشافات حقيقية عن المشاعر الإنسانة، وربما يعود استقلال كل نص من نصوصي، في حالة خاصة، الى التناقضات التي تتحكم بإرادة الكاتب وتقوده إلى الخيال باعتباره جزءاً من الواقع الحقيقي للمبدع، في عملية إنتاج النص الشعري والأدبي عموماً.

في قصائدك بعض من صوفية وبعض من مناجاة، فهل ترمي إلى أن تتحرر من قيود الواقع الذي يزداد بشاعة إلى عالم حيث تسمو المشاعر؟

دعينا نقول إن أكثر الأماكن التي تتجلى فيها المشاعر الإنسانية على حقيقتها، هي الأماكن الأكثر بأساً والأكثر فقراً، فماذا يعرف الأثرياء عن المشاعر الإنسانية العميقة؟ الصوفية تكشف حقيقة أولئك الذين يدعون العطاء ويدعون الإنسانية. إن أردت أن تكون إنسانياً عليك حقاً أن تساوي نفسك بالآخرين. أولئك الأثرياء، الألم وحده يستطيع أن يعيدهم إلى إنسانيتهم، أما نحن الفقراء فنناجي الله، ليس لأنه الغني وحسب، بل لأنه هذا الهطول الرحب والرقيق الذي يملأ قلوبنا بحب الحياة.

من يقرأك يشعر بأنك في غربة في الحياة فما مرد هذه الغربة؟

لا يستطيع أي منا كشف كل ما يعرفه عن نفسه، لأن هذا الكشف بالضرورة سيدفعنا، مرة أخرى، إلى غربة جديدة لكنني أستطيع القول إنني في تأمل مستمر، ليس فقط بما يجري من حولي، بل بما أفعله أنا نفسي، ككائن موجود يعرف شيئاً واحداً،  أن الأسئلة هي التي تكشف الحقائق العظيمة وليست الإجابات.  

تكتب الشعر والرواية والمسرحية وقصص للأطفال، ما سر هذا التنوع في الكتابة وأي واحد يعبّر عنك أكثر؟

يأتي هذا التنوع من إيماني بوحدة الفن والأدب، فما من شعر يخلو من السرد القصصي، وما من  رواية تخلو من التأملات الشعرية،  وهذا العالم أشبه بخشبة مسرح كبيرة. فى قلب كل إنسان طفل لذا هذا التنوع طبيعي. إنما ما هو غير طبيعي أن يدعي أحدنا بأنه شاعر أو روائي أو ما شابه، من دون أي دلالة حقيقية على ذلك.

 لننظر ما يحدث من حولنا ولنرَ من يتصدر المشهد التفافي العربي، عموماً، والمشهد الثقافي اللبناني،  خصوصاً، إنهم حفنة من البشر السطحيين الذين تسلطوا على الحياة الثقافية، وبعضهم يتبجحون  بأنهم سلطة ثقافية، ولا استغرب ذلك، فهم أبناء دكتاتوريات سياسية وطالما كانوا أبواقاً تشوه المشهد الثقافي على مدار أكثر من خمسين عاماً وحتى اليوم. إنهم مافيا منظمة، شلل تافه، لم يستطيعوا أن يكونوا على قدر طموحات الشباب الصاعد الذي يصدم بهم كل يوم، فهذا الصحافي اللامع لا ينشر في صفحته إلا لمن هم من أبناء جلدته الطائفية أو حلفائه، وذاك الصحافي لا ينشر إلا لمن يدفع له أجر هذا المقال أو ذاك. إنها غابة ثقافية، ولكن ما زالت قلة  من الأقلام الشريفة والناصعة تحول دون انهيار الحياة الثقافية تماماً.

رغم غليان العالم العربي بالثورات لم نشهد قصائد ثورية، فيما شهدنا أفلاماً تتحدث عن الثورة وروايات أيضاً، ما السبب برأيك؟

أولاً ، لا أعتقد أن ما يجري  في العالم العربي بالإمكان تسميته «ثورة»، إنها حالات أقرب إلى انتفاضات شعبية تم لاحقاً تطويقها من الغرب، ومن ثم انقضت عليها منظمات متشددة. فالثورة  لا بد من أن يكون لها بعد إيديولوجي وسياسي، تنطلق منه لتحقيق أهدافها، فما هي الإيديولوجيا الفكرية التي انطلقت منها الحوادث في العالم العربي والتي يسميها البعض بثورة؟

انتفضت الشعوب على الدكتاتوريات في سبل تحقيق الحرية، ونهضت لأنها ملت من خطابها الخشبي حول القضية الفلسطينية التي لم يتحرر منها حتى شبر واحد، لكنها ليست بثورة، وربما هذا يفسر قلة الأعمال الشعرية التي تناولت الحوادث، فالشعر هو أكثر الفنون قدرة على لمس جوهر الحقيقة، لهذا نجد ربما نصوصاً شعرية كتبت عن حالة إنسانية خلال هذه الانتفاضة، ولكن لم نشهد نصوصاً جادة وصفت الحوادث بالثورة وتبنتها.

هل تؤمن بمقولة إن هذا الزمن هو زمن الرواية وليس زمن الشعر؟

لا أبداً،  كما قلت لك أؤمن بوحدة الفنون والآداب. لا يمكن أن يستمر واحد من دون الآخر وهذا ما يفسر وجودها جميعاً منذ آلاف السنين. ربما يتصدر أحدها المشهد في عصر ما ولكن لا يلغي الآخر.  

بين مجموعتك الشعرية الأولى «عتم المرايا} و{تصاعد الياسمين كالرصاص»، ومجموعتك الأخيرة، هل ثمة تغير في المضمون والأسلوب؟

نعم، ثمة تغيير كبير وتطور مهم، ولكن لست من يستطيع أن يحسم هذا الموضوع، إلا أنني أستطيع القول إنني اشتغلت على أن تخرج كل مجموعة بصورة مستقلة بذاتها، بعيدة عن الأخرى بالشكل والمضمون، قريبة منها بالتعبير عني وعن رؤيتي للعالم، وإن لم أكن أنا نفسي في كل مجموعة كتبتها.

الأحلام جميلة عادة فيما هي في قصائدك قنابل موقوتة، لماذا؟

نعم الأحلام جميلة، هذا ما يراه كل منا عندما يتعلق الأمر بأحلامه، لكن يسعى البعض إلى تحقيق أحلامه على حساب أي شيء، وهذا ما يجعلها قنابل موقوتة. بعض الأحيان قد تصيب أحلامنا أناساً قريبين منا بمقتل أو بخيبة، وهذا ما دفعني إلى وصفها بقنابل موقوتة، فعندما يقرر أحدنا تحقيق أحلامه لا يعود يرى شيئاً من الواقع، وربما تمر أشياء جميلة من حوله وهي أجمل من الأحلام من دون أن يشعر بوجودها.

تعتمد في روايتك على الرمزية والفانتازيا للحديث عن القضايا السياسية الكبرى.

نعم صحيح كنت كتبت رواية يتيمة بعنوان «الجدران تتعرى لظلي»، تناولت فيها بعضاً من القضايا السياسية. أحببت هذه التجربة لكني لن أكررها، لأنني أكتب رواية أخرى بأسلوب مختلف وموضوع مختلف، وستصدر قريباً، تتناول موضوعاً اجتماعياً وإنسانياً يتمحور حول قصة حب وعلاقة غريبة بين صديقين وبين أم وأبنائها إلخ...

 

نبذة

بلال المصري شاعر وروائي لبناني من مواليد طرابلس عام 1974،  له:  «عتم المرايا» (2004)، مجموعة شعرية عن «دار الكنوز الأدبية} بيروت، {كان يا ماكان} (2010)، قصص للاطفال عن {الدار الوطنية الجديدة} المملكة العربية السعودية، {تصاعد الياسمين كالرصاص} (2012)، مجموعة شعرية عن {دار الغاوون} بيروت، {الجدران تتعرّى لظلي} (2015)، رواية.

تُرجمت نصوصه الشعرية إلى الفرنسية والايطالية والسويدية والبولندية والإنكليزية، كذلك  ترجمت قصصه للأطفال إلى الإنكليزية.

طفولة وقلم

ما الفرق بين كتابة قصص للأطفال وكتابة الرواية من ناحية الشكل، أي الأسلوب؟

ثمة فرق جوهري بالشكل والمضمون،  ذلك أن قصص الأطفال تعتمد على أسس في الكتابة مختلفة عن الرواية وعن القصص الموجهة إلى الكبار، ويجب أن يكون الكاتب حذراً وهو يختار موضوعه ومفرداته التي عليه أن يتوجه بها إلى الصغار، ناهيك عن الروح والمنطلق للكتابة، ففي قصص الأطفال على الكاتب أن يكون واضحاً وبسيطاً، وأن يعتمد الجمل القصيرة والمفردات اليسيرة، أما في الرواية فالأمر بالطبع مختلف تماماً من الناحية التقنية والفكرية

برأيك، هل بات التوجه إلى الأطفال في عصر مواقع التواصل الاجتماعي أكثر صعوبة اليوم؟

لا أعتقد ذلك فحتى الكتاب نستطيع طرحه على الشبكة العنكبوتية، ويمكننا، نحن الذين نكتب، أن نتواصل مع القارئ بشكل مباشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومد جسور التواصل. لا أنظر إلى التكنولوجيا بسلبية، على العكس، علينا التأقلم مع أدوات هذا العصر وقبولها، وإلا تخطانا الزمن الى غير رجعة.

متى بدأت علاقتك بالكتابة؟ وكيف نميتها؟

حملت القلم منذ نعومة أظفاري وكتبت نصوصاً كثيرة، لم يبقَ منها شيء اليوم. لا أعرف لماذا قررت الكتابة رغم أن الظروف المحيطة بي كانت تشي بأن علي حمل أي شيء آخر غير القلم، لكنني كتبت ولم أتوقف عن الكتابة حتى اليوم، استطعت أن أكون الحصان، دفعت العربة وكنت الطريق.. ولم أتوقف عن الكتابة، من دون التفكير بجدوى ذلك، لأنني سألت نفسي مراراً ما فائدة التفكير بجدوى الكتابة طالما أنها تحقق لي المتعة!؟

لم أشتغل يوماً بهدف تنمية وتطوير الكتابة وأسلوبي، لاعتقادي بأن هذا مستحيل، فالتجربة الحياتية الحقيقية هي التي تمنح صاحبها أدواته وتفتح أمامه آفاق الرؤية الاستثنائية للعالم، بما يمكنه من التقاطها والتعبير عنها بالكتابة. هذا الفعل الذي يرصد الحركة الإنسانية ويؤرخ لخيال البشر وواقعهم، وهو الفعل الأقرب إلى الصلاة، والكتابة، أيضاً، هي حرب تبدأ على الورق وتنتهي عليه، وهي السلام الذي، من دونه، ينتهى العالم، وهي الصراخ الذي إذا انقطع سيستيقظ الوحش في أعماق الإنسانية. بمعنى آخر، الكتابة هي تعويذه تقي الناس شر بياض الورق!

back to top