أوقفوا هذا الخطاب
لم يكن الحدث الجلل الذي تعرضت له الكويت حدثاً منفصلاً أو طارئاً. هو ليس ردة فعل بل فعل سبقته أفعال كثيرة، وتم التمهيد له وإيجاد الأرضية التي انطلق منها.لم يكن الحدث مفاجئاً أو عملاً غير متوقع، هو نتيجة منطقية لا تحتاج إلى جهد عبقري لتوقعه لو كنا ننظر جيداً حولنا وإلى ما يحدث في المنطقة التي نحن جزء منها. كل ما كنا نحتاج إليه هو الإجابة عن سؤال بسيط من حق جميع الحريصين على أمن الوطن ووحدته ولحمته التي ننتبه إليها بعد الحدث أن نجيب عنه: إلى أين يقودنا خطاب الكراهية المتبادلة التي تشعله قنواتنا الفضائية الدينية بنوعيها؟
كل عقلاء هذا البلد الذين كانوا يتهمون بالليبرالية، وما يزالون يتهمون بها، ينادون بنبذ هذا الخطاب والعمل على إيقافه قبل أن تستفحل الأمور ويخرج مجانيننا الصغار ليكونوا هم ضحيته أولاً قبل المجتمع بأسره. في وسط هذا التبادل المنفر للاتهامات والتهديد والوعيد والدعوة للإقصاء ثم الدعوة إلى التكفير والقتل ضاع الصوت العاقل الذي فقد المنبر الحقيقي للحد من هذا الجنون الطائفي. ما الذي نتوقعه من فتية الحماس الطائفي وهم يستمعون لشيوخهم الكبار يكفِّرون مذاهب الآخرين ويحتقرون شعائرهم ويؤلّهون أنفسهم فيدخلون فرقاً في النار وأخرى في الجنة؟ لماذا صمتنا طوال هذا الوقت عن قنوات تنفذ مشروعاً أكبر من عقولها يقوده فريق برنارد لويس وخطته البديلة لسايكس- بيكو وتقسيم البلدان على أسس طائفية وعرقية؟ ولماذا سمحنا لهذا الخطاب التكفيري أن يعيش بيننا ويتبناه شخوص نعرفهم دون أن نتوقع هذه النتيجة الحتمية له؟ربما لن نستطيع الإجابة عن هذه الأسئلة لسبب بسيط، هو أننا لا نريد أن نفكر فيها. وإذا استمر هذا الحياد والتعامل بسلبية مع أصحاب خطاب الكراهية والفتنة البغيضة فإننا لن نتعلم الدرس. الرجال الذين سقطوا ضحية لهذا الخطاب قدموا لوطنهم دماء بريئة لهم في أعناقنا أكثر من الحزن، لهم أن يطمئنوا على أبنائهم وإخوانهم وأهلهم بأننا لن نسمح لهذا الحريق بأن يتسع أكثر وأن نقف بحزم ضد هؤلاء الذين منحوا أنفسهم توكيلاً إلهياً للقيام بمهامه التي اختص بها ذاته العليا. الدماء التي سقطت في بيت الله نذيرنا الأخير لا الأول.هذه الحرب التي نواجهها يجب أن نواجهها من قمة هرمها لا من قاعدتها، فلن تتسع القاعدة إلا إذا بقي الهرم يمارس خطابه الذي خلق هذه القاعدة بعيداً عن المساءلة. وإذا لم يتم تجفيف منابع هذا الخطاب وعودة أصحابه كجزء من وحدة هذا الوطن فسيتسع الفتق على الراتق وحينها لن ينفع الندم.أخيراً، الإخوة الذين حاسبوا المتورطين بهذا العمل المنكر بناء على مواطنتهم أو عدمها وجنسياتهم عليهم أن يدركوا أن هذا الطريق سيريح أولئك الذين تبنوا هذا الفكر. فسواء حمل المتهم هذه الجنسية أو تلك أو لم يحمل جنسية ليس أمراً أساسياً في الجريمة، ما يجب أن نواجهه هو الفكر الذي يحمله وليس الجنسية التي لا يرى هو نفسه أي انتماء لها. فما يبث في أذهان هؤلاء أن أوطانهم حرام وحكوماتهم حرام وكل شيء سوى خليفتهم المزعوم ودولته المقبلة حرام.