لا وقت لدينا لنضيعه في سورية
الشعب السوري عانى الأمرين طيلة خمس سنوات من حرب طاحنة جعلت أكثر من نصف السكان سنة 2011 الذين بلغ عددهم 22 مليون شخص إما أنهم ميتون أو مشردون، إذ يلجؤون وهم مجبرون على القيام برحلات خطيرة للغاية، مما يستدعي من دول العالم كلها والأمم المتحدة بالذات أن تتخذ خطوات حقيقية لحل هذه المأساة.
يواجه الاتحاد الأوروبي حقيقتين صارختين نتيجة وصول مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الساعين للحصول على ملاذ من الصراع: الأولى أن الدول الأعضاء في الاتحاد لا تفي كلها بالتزاماتها سواء تجاه الدول الأخرى ضمن الاتحاد أو طبقا للقانون الدولي، والثانية أن موقف الاتحاد الأوروبي تجاه الحرب الأهلية في سورية لا يمكن استدامته، وحتى نكون واضحين فإن الفشل في العمل من أجل تحقيق السلام في سورية هو خطأ فادح لا يختلف عن رد أولئك الهاربين من الاضطهاد على أعقابهم.لقد ظهرت العيوب في قانون اللجوء الأوروبي والاختلافات في الممارسات بين الدول الأعضاء فيها منذ بعض الوقت، ولكن الـ350000 لاجىء الذين اجتازوا الحدود الأوروبية وما يزيد على ألفين وستمئة شخص غرقوا وهم يحاولون الوصول إليها في الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام قد فتحوا أعيننا، فالأوضاع غير الإنسانية التي يواجهها هؤلاء اللاجئون غير مقبولة.
والآن بالإضافة إلى ما يطلق عليه الانقسام بين الشمال والجنوب الناتج عن الأزمة الاقتصادية والخروج المحتمل للمملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، والوضع الحرج في اليونان، فإن هناك فجوة جديدة بين الشرق والغرب قد ظهرت في أوروبا، ولا يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يتحمل المزيد من الشقوق، ولذا يتوجب عليه استخدام جميع الوسائل الممكنة من أجل إجبار الدول الأعضاء فيه على التقيد بالتزاماتها القانونية الدولية والأوروبية.يجب أن نطبق المقدار نفسه من السرعة على صنع السلام في سورية، فاللاجئون هم نتاج الحرب الأهلية الطويلة والوحشية والمتعددة الجوانب، حيث لا يمكن الاستهانة بخطورة الوضع في سورية، فمنذ بدء الصراع سنة 2011 نتج عنه أكثر من أربعة ملايين لاجئ ونحو ثمانية ملايين من المشردين داخل سورية، ولقد قتل أكثر من مئتي ألف شخص، وحتى نقرب الصورة أكثر فإن هذا يعني أن أكثر من نصف سكان سورية سنة 2011 الذين بلغ عددهم 22 مليون شخص إما أنهم ميتون أو مشردون.والسيطرة على الأراضي السورية مقسمة الآن بين نظام الرئيس بشار الأسد ومجموعات المعارضة المسلحة المختلفة والأكراد وتنظيم الدولة الإسلامية، فقد مكنت الحرب الأهلية تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف من بناء قدراته بحيث لو انهار النظام السوري برمته فإن من المرجح أن هذا التنظيم سيستغل الفراغ في السلطة للاستيلاء على كامل البلاد.مهما يكن من أمر فإن ادعاء روسيا أن سورية تواجه خيارا بين الأسد أو تنظيم الدولة الإسلامية هو ادعاء كاذب، وإن الشكوك المتعلقة بالنوايا الروسية قد زادت بشكل كبير مؤخرا في حين تقوم روسيا بزيادة مساعداتها لنظام الأسد وهو حليف قديم لها، ويتعالى صوتها في الدعوة للتعاون مع النظام لقتال تنظيم الدولة الإسلامية.إن من المرجح أن تركيز روسيا على إبقاء الأسد في السلطة يدفعه مصالحها الذاتية في الإبقاء على نفوذها في الشرق الأوسط ولكن روسيا محقة في شيء واحد فقط وهو أنه يجب وقف تنظيم الدولة الإسلامية.وإن خطأ روسيا الفادح هو اعتقادها أنه بالإمكان تحقيق ذلك بدون حل سياسي للصراع في سورية، وهو الصراع الذي ساعد على النمو السريع للتنظيم، فالقتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية سينجح فقط في حالة لو فكرت القوى الخارجية في ما هو أبعد من العمليات العسكرية وصاغت حلا سياسيا للأزمة. إن مثل هذا الحل السياسي يجب أولا وأخيراً أن يعكس فهما لأخطاء الماضي والتزاما بعدم تكرارها. لو تذكرنا ما حصل في العراق لوجدنا أن محاولة بناء الدولة بدأت بالتفكيك الكامل لنظام صدام حسين وجميع هياكل الحكم القائمة ولقد نتج عن ذلك النهج فراغ في السلطة شغلته الميليشيات السنية، وفي نهاية المطاف تنظيم الدولة الإسلامية.بالنسبة إلى سورية فإن هذا يعني أن جزءا من الدولة الحالية بما في ذلك طائفة الأسد العلوية يجب أن تكون ممثلة في ائتلاف عريض مع المعارضة والأكراد، وبدون هذا التمثيل الواسع لا يمكن أن تأمل أي حكومة سورية في هزيمة القوى الإرهابية وأن تقود البلاد باتجاه مستقبل أكثر استقرارا.بالطبع فإن تنفيذ مثل هذا الحل لن يكون سهلا لأسباب ليس أقلها الانقسامات العميقة بين القوى الخارجية ذات العلاقة، علما أن روسيا تدعم النظام مثل إيران– التي ستكون مهمة للغاية في نجاح أي حل- وفي الوقت نفسه لا ترغب السعودية وتركيا وقطر في دعم أي حل يتضمن الأسد.فهذا الجمود لا يمكن أن يستمر، ولحسن الحظ فإنه ليس من الضروري أن يستمر، فكل الأزمات تنتهي بالطريقة نفسها، وهي أن تجلس كل الأطراف على طاولة المفاوضات، وهذا يجب أن يكون الهدف في سورية الآن.فقيادة الاتحاد الأوروبي يمكن أن تلعب دورا حيويا في هذا الخصوص وممارسة تلك القيادة ستتطلب أن تتبنى الدول الأعضاء في الاتحاد موقفا موحدا داعما لجهود مبعوث الأمم المتحدة لسورية ستيفان دي ميستورا للعمل مع جميع اللاعبين أصحاب العلاقة، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية وروسيا وإيران والسعودية لتحقيق السلام في سورية.ومن المناسب البدء بحثّ مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (الصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة) بالإضافة إلى ألمانيا والاتحاد الأوروبي على الانعقاد، نظرا لأن تلك الدول نجحت مؤخرا في التغلب على خلافاتها الكبيرة من أجل التوصل إلى اتفاقية نووية مع إيران فإن هذا المجموعة يمكن أن تكون المنتدى المناسب للبدء ببناء توافق على حل سياسي في سورية، وإن بالإمكان أن تتقدم المفاوضات لاحقا لذلك بحيث تتضمن لاعبين آخرين خصوصا السعودية وإيران وتركيا.لقد نفد الوقت بالنسبة إلى سورية فشعبها عانى حصار الوحشية والفوضى لفترة أطول من اللازم، وهناك بلدان قليلة جدا يمكن أن يلجؤوا إليها وهم مجبرون على القيام برحلات خطيرة للغاية، ولا يمكن للجمعية العامة للأمم المتحدة أن تنهي دورتها السبعين بدون اتخاذ خطوات حاسمة تجاه المفاوضات الفعالة والحل الفعال، ويجب على الاتحاد الأوروبي أن يدعو العالم إلى العمل من أجل إيجاد حل لسورية الآن، وتأسيس دولة قوية قادرة على ضمان السلام في المستقبل.* خافيير سولانا | Javier Solana ، الممثل الأعلى السابق للاتحاد الأوروبي للسياسات الخارجية والأمن، وعمل سابقا كأمين عام للناتو وكوزير لخارجية إسبانيا، وهو يعمل حاليا كرئيس لمركز إيساد للاقتصاد والجيوسياسية، وزميل مميز في معهد بروكنغز.«بروجيكت سنديكيت» الاتفاق مع «الجريدة»