بحثت لجنة الشؤون المالية والاقتصادية البرلمانية التصور الحكومي لآليات سد عجز الموازنة العامة للدولة، في اجتماع مشترك نظمته بحضور كل من أعضاء لجنة الميزانيات والحساب الختامي البرلمانية، ونائب رئيس الوزراء وزير المالية أنس الصالح والفريق الحكومي الذي ضمنه محافظ بنك الكويت المركزي د. محمد الهاشل والعضو المنتدب للهيئة العامة للاستثمار بدر السعد.

Ad

وأكد الصالح أن الوضع المالي للدولة بشهادة مؤسسات التصنيف العالمية "ممتاز ومتين"، مشيراً إلى أن ميزانية الدولة للسنة المالية الحالية والسنوات الخمس المقبلة "إذا لم ترتفع أسعار النفط ولم يتم التعامل مع الأمر بحصافة فسيكون هناك عجز في الميزانية".

وقال الصالح في تصريح صحافي عقب الاجتماع أمس، إنه استعرض مرئيات الحكومة لتمويل عجز الموازنة، حيث استعرض وكيل وزارة المالية خليفة حمادة الجوانب المالية العامة في حين شرح محافظ البنك المركزي د. محمد الهاشل المنظور الاقتصادي، وأهمية توزيع أدوات الدين ما بين اللجوء إلى الاحتياطي العام، وإصدار السندات بالدينار والصكوك والسندات بالدولار، وذلك في مراحل مختلفة لتمويل العجز مع الحفاظ على القوة والمتانة المالية للدولة.

وأضاف أن الجانب الحكومي استمع إلى ملاحظات النواب على أن تؤخذ على محمل الجد، مشيراً إلى أنه سيتم عقد اجتماع آخر، متى ما ارتأت اللجنة ذلك.

وبين أن قانون الميزانية نص على أن تمويل الميزانية يأتي من الاحتياطي العام، موضحاً أن للاحتياطي العام سلطة التقدير بين استخدام فوائضه المالية أو الاقتراض "أيهما أوفر".

وأوضح أن قانون الدين العام، الذي يمارس البنك المركزي حالياً إصدار سندات وفقه، "يتيح للاحتياطي العام الاقتراض لتمويل النقص ما بين الإيراد والمصروف"، مشيراً إلى "أننا لا نحتاج إلى قانون حالياً، لذلك إنما من الممكن إضافة بعض المواد لقانون الموازنة الجديدة لتجعل الصورة أوضح".

وكشف عن قرب صدور فتوى رسمية من إدارة الفتوى والتشريع تفيد بعدم الحاجة إلى إصدار تشريع حالياً بشأن السندات "إنما من الممكن استخدام قانون الدين العام القائم حالياً".

وعن الصكوك في قانون الدين العام وإعطاء قانون هيئة أسواق المال العام في التعديلات الأخيرة تنظيم العمل في هذه الصكوك، أكد الوزير الصالح "وجود تفاهم كامل" بين الحكومة وأعضاء اللجنة البرلمانية في هذا الشأن حيث "صدرت بعض الملاحظات الفنية التي ستؤخذ على محمل الجد، وستتم مراعاتها في اتخاذ القرارات".

وبشأن التساؤل حول عجز الحكومة عن تنفيذ التزاماتها تجاه بعض الجهات الحكومية، قال الصالح: "نعم هناك تعمد بغية دراسة هذه الجهات وإمكانية تصدير سندات لها لقياس قدراتها بدلاً من النقد وعليه لا يوجد عجز في السداد، وهناك التزام بالسداد، ولا يوجد تأخير في المشاريع، إنما آلية التمويل شأننا".

وبسؤاله عن تقديم الحكومة ضمن أولوياتها مشروع قانون في شأن القيمة المضافة، قال إن هناك إجراءات عديدة لتنويع مصادر الدخل، حيث تقدمت الحكومة بورقة في هذا الشأن لأعضاء مجلس الأمة، كما أن هناك تنسيقاً وتعاوناً مع النواب في هذا الشأن.

اللجنة المالية

وكشف رئيس اللجنة المالية النائب فيصل الشايع أن الفريق الحكومي بين لأعضاء اللجنة المالية ولجنة الميزانيات البرلمانيتين عدم الحاجة لاصدار اي تشريع عند استخدام أدوات الدين العام من سندات او صكوك لسد العجز المرتقب وهي متاحة، مشيراً في الوقت ذاته الى ان العجز المتوقع للسنوات الخمس المقبلة يبلغ 25 مليار دينار وفق متوسط تسعير بيع برميل النفط الكويتي عند ٦٥ دولارا.

وقال الشايع في تصريح صحافي عقب الاجتماع  امس، ان "الحكومة لديها عدة خيارات لمواجهة العجز المرتقب للسنة المالية الحالية والمقدر بـ8.2 مليارات دينار وفق تسعير متوسط برميل النفط بـ 45 دولارا"، مضيفا ان الفريق الحكومي اوضح ان أدوات سد العجز من خلال السندات او الصكوك او الاقتراض متاحة دون الحاجة الى تشريع من خلال قانون الدين العام الذي مدد العمل به عام 2009 ويسري حتى عام 2017.

التصنيف الائتماني

بدوره، رحب عضو اللجنة المالية، النائب أحمد القضيبي، بالتصور الحكومي لمعالجة العجز في الميزانية، مشيرا الى أن الحكومة استعرضت حلولا كثيرة لسد العجز في الميزانية، كان من بينها سد العجز في الموازنة العامة للدولة من خلال الاقتراض الخارجي.

وقال القضيبي، في تصريح صحافي: "أنا بدوري تحفظت عن هذا الخيار، وعللت أسباب تحفظي بأن ذلك الأمر سيؤثر على تصنيف الكويت الائتماني في الوقت الحالي"، مشيرا الى أنه إذا كان لابد من هذا الحل، فليكن آخر خيار تستخدمه الحكومة ولا يستخدم في بداية الحلول.

وقال القضيبي إن المؤشرات والتوقعات تشير الى استمرار هبوط أسعار النفط الى خمس سنوات مقبلة، لذلك لابد ألا تكون الاستعانة بالاقتراض الخارجي كمرحلة أولى، ولا يمكن أن نأخذ به حاليا، طالما هناك بدائل وخيارات أخرى أنجع من الممكن أن تسد عن طريقها الحكومة عجز الميزانية ولا تؤثر على تصنيف الكويت الائتماني.

وفي حديثه عن قضية النفط، أكد القضيبي أن النفط يعد أهم مصادر الدولة والمصدر الرئيس لإيرادات الدولة، ولابد للحكومة من الاعتناء به جيدا وتطويره باستمرار، مشددا على ضرورة أن تحمي الحكومة والمجلس القطاع النفطي من التدخلات السياسية.

خطة الحكومة

بدوره، قال مقرر لجنة الميزانيات والحساب الختامي البرلمانية النائب د. محمد الحويلة ان هدف الاجتماع بحث آلية سداد عجز الموازنة وخطة الحكومة لمواجهة هذا العجز والموارد البديلة التي تسعى الحكومة لإيجادها وفق ما جاء بالخطة الإنمائية للدولة وبيان المتطلبات التشريعية لتحقيق هذا الهدف، تفعيلاً للدور الرقابي لمجلس الأمة ومتابعة ومراقبة عمل الأجهزة التنفيذية، وترسيخًا للتعاون بين السلطتين الذي اسفر عن العديد من الانجازات.

تصورات الحكومة

«الجريدة»، حصلت على نسخة من التصورات الحكومية الأربعة، التي قدمتها إلى مجلس الأمة لمعالجة العجز في الميزانية العامة للدولة، تمثلت التصورات في الاستعانة بالاحتياطي العام للدولة، وإصدار السندات والاقتراض المباشر من البنوك المحلية، وتنويع مصادر الدخل، وتخفيض الإنفاق الحكومي، حيث ستدرس الحكومة مع البرلمان أنجع الخيارات السابقة لسد العجز في الميزانية في ظل انخفاض أسعار النفط.

وقالت الحكومة، في تقريرها الذي قدمته إلى اللجنة المالية البرلمانية شهدت الميزانية العامة للدولة عن السنة المالية 2014- 2015 والسنة المالية 2015- 2016 عجزاً بمقدار (8.160.4) - (8.181.4) مليارات دينار كويتي على التوالي، وعملاً بمبدأ الواقعية والتحوط قدرت الإيرادات النفطية على أساس سعر برميل النفط 45.75 دولاراً أميركياً للسنوات المالية على التوالي.

بعد ذلك، أسفر الحساب الختامي للإدارة المالية للدولة عن السنة المالية 2014-2015 عجزاً فعلياً بمقدار 2.721 مليار دينار، هو الأول منذ السنة المالية 1998-1999، ولعل أبرز ما يعكس هذا العجز هو التراجع الواضح في أسعار النفط الخام، ثم تراجع الإيرادات النفطية التي تمثل أهم بنود الإيرادات العامة للدولة.

وقالت الحكومة، إن تفاصيل الحساب الختامي تشير إلى أن إجمالي الإيرادات الفعلية بلغ 24.926 مليار دينار مقارنة بنحو 31.811 مليار دينار في السنة المالية 2013- 2014، ذلك يعني تراجع إجمالي الإيرادات بنسبة 21.6 في المئة، لانخفاض الإيرادات النفطية إلى 22.502 مليار دينار مقارنة بنحو 29.292 ملياراً في السنة المالية السابقة أي تراجع بنسبة 23.2 في المئة.

هذا بالإضافة إلى تراجع نسبة الإيرادات إلى الناتج المحلي من 58.7 في المئة في المئة في السنة المالية 2013- 2014 إلى 46.3 في المئة في السنة المالية 2014- 2015.

وأضاف أنه على الرغم من تراجع إجمالي الإيرادات، فإن إجمالي الإنفاق العام استمر في النمو في السنة المالية 2014-2015، حيث أشارت البيانات النهائية إلى أنه بلغ 21.415 مليار دينار مقارنة بنحو 18.903 مليار في السنة المالية السابقة، أي بنسبة زيادة قدرها 13.3 في المئة عن إجمالي الإنفاق في السنة المالية 2013- 2014.

وبالتالي تزايد نسبة الإنفاق العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 37.9 في المئة في السنة المالية 2013- 2014 إلى 44 في المئة في السنة المالية 2014- 2015، وذلك رغم التراجع الحاد لنسبة الإيرادات إلى الناتج.

في ضوء ما سبق تبين ضرورة مواجهة العجز الحالي للميزانية والمتوقع استمرار هذا العجز لسنوات طويلة طالما استمرت أسعار النفط بالانخفاض، لذلك لابد من اتباع أساليب ذكية ووضع استراتيجية مدروسة تمكن الدولة من سداد العجز بأفضل وأنسب الطرق المتاحة.

آليات سد عجز الميزانية

واستعرضت الحكومة عدة طرق لتمويل عجز الميزانية، وذلك إما بتمويله من الاحتياطي العام للدولة، أو من خلال إصدار الدولة للسندات والصكوك أو سده بالاقتراض المباشر من البنوك المحلية، وكذلك تنويع مصادر الدخل عن طريق فرض الضرائب على أرباح الأعمال، كما جاء في تقرير صندوق النقد الدولي، ولكل من هذه السبل آثار مترتبة إيجابية كانت أم سلبية على اقتصاد الدولة، حيث يتم اقتناء أي من هذه السبل في ضوء المصادر المتاحة للتمويل ودراسة الأعباء الناتجة عن كل مصدر ومن ثم اختيار المصدر الأمثل منها:

وبعد البحث والدراسة تبين الآتي:

الاحتياطي العام للدولة

تلجأ الدول عموماً إلى سد عجز ميزانيتها من الاحتياطي العام للدولة وذلك عن توافر الظروف التالية:

- وجود أرباح ناتجة عن مساهمات الدولة في الأسواق العالمية كافية لسد العجز.

- وجود العديد من الأصول غير المجدية التي تم تسييلها إلى نقد حديثاً.

- افتقار الدولة لاقتناص الفرص الاستثمارية.

يقدر إجمالي استثمارات دولة الكويت الداخلية والخارجية المدارة من قبل الهيئة العامة للاستثمار بـ 592 مليار دولار أميركي (ما يعادل 180 مليار دينار كويتي) بحسب التقارير الاخبارية من قبلCNBCk SWF Institute، علماً أن إيرادات الميزانية في دولة الكويت لا تشمل إيرادات الاستثمار المحققة أو غير المحققة التي تخضع لإدارة الهيئة العامة للاستثمار والمؤسسات الأخرى التابعة لوزارة المالية.

إصدار السندات

يعتمد أثر إصدار السندات على عدة عوامل، كما نص عليها المرسوم بالقانون رقم 50 لسنة 1987 ومن أهمها:

- محل إصدار السندات.

- تاريخ استحقاق السندات.

سعر الفائدة المستحقة على السندات.

- مواعيد وكيفية سداد الفوائد على السندات.

على أن يقوم وزير المالية، بناء على القانون السابق ذكره، أو من يفوضه بإصدار بيان للاكتتاب موضحاً به تلك العوامل.

تؤثر أسعار الفائدة على الأسواق المحلية وأسواق السندات والاقتصاد بشكل عام، حيث إن أسعار الفائدة المنخفضة من شأنها أن تعزز من رغبة المؤسسات والبنوك في الاقتراض لتمويل مشاريعها واستثماراتها، على عكس أسعار الفائدة المرتفعة، التي من شأنها أن تعمل على تثبيط النشاط الاقتصادي، والذي قد ينتج عنه فترة من الركود الاقتصادي، لذلك يجب على البنك المركزي والمؤسسات التابعة للحكومة التي يتم تكليفها إصدار تلك السندات مراعاة عامل سعر الفائدة حتى تحقق الهدف المرجو منه.

الاقتراض المباشر من البنوك المحلية

هي عملية مشابهة لعملية إصدار السندات إذ إنها لا تمس الاحتياطي العام للدولة، وهي من الممكن أن توفر أموالاً كافية لسداد عجز الميزانية وتغطية كافة تكاليف ومصروفات الدولة لكنها قد تسحب جزءاً كبيراً من السيولة البنكية نظراً إلى حجم الأموال المقترضة مما يخفض من حجم سيولة تلك البنوك.

تنويع مصادر الدخل وتخفيض الإنفاق

يمكن تنويع مصادر الدخل، حسب ما جاء في تقرير صندوق النقد الدولي حول تصميم ضريبة لأرباح الأعمال في الكويت، والذي من شأنه أن يوفر إيرادات بحوالي 800 مليون دينار كويتي، والتي قد تكون كفيلة بسد جزء من العجز المتوقع في الميزانية في ظل انخفاض أسعار النفط.

ومن جانب آخر، فإن تخفيض الإنفاق الحكومي قد يكون أحد الخيارات المتاحة لسد العجز لكنه لا يتماشى مع سياسة دولة الكويت حيث إنه قد يعطل تنفيذ بعض المشاريع التنموية التي تعمل الكويت على تنفيذها. وفي هذا السياق، لجأت دولة الكويت عام 1987 إلى الاقتراض لتمويل عجز الموازنة للمرة الأولى باستخدام أدوات الدين العام «أذونات وسندات الخزانة» مقومة بالدينار الكويتي ومصدره محلياً وقد قام البنك المركزي آنذاك نيابة عن وزارة المالية بذلك الدور، وأصدرت تلك الأدوات للآجال مختلفة ولاقت تلك الإصدارات نجاحات واسعة بحيث كانت مبالغ الاكتتاب في الأدوات المذكورة تفوق حجم الإصدارات بعدة أضعاف بشكل مستمر ومتواصل لعدة سنوات لاحقة.