دولة تغرق في شبر ماء!
بشكل عام، لم يكن تشكيل الحكومات المتوالية في الكويت أمراً مقبولاً لدى الرأي العام الكويتي، لأن الاختيار لم يكن يتم على أساس الكفاءة، ولا على أساس مواقف الوزراء المختارين من سياسة الدولة، أو يُشهد لهم توجهات استراتيجية للإصلاح... وإذا حصل واُختير وزراء يتمتعون بصفات الجدية والنزاهة، فسرعان ما تُمارس عليهم الضغوط، أو يظهر التخاذل في مواقف الحكومة عندما تستدعي الضرورة مساندتهم، ما أدَّى إلى مغادرتهم مواقعهم الوزارية، كما حصل مع وزير الأشغال والكهرباء عبدالعزيز الإبراهيم، ووزير التجارة د.عبدالمحسن المدعج.لكن أن يصل الأمر إلى مستوى "الحوسة" و"البربسة" وارتباك مؤسسة الحُكم في معالجة وضع وزير النفط وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة، فهو أمر يدعو للاكتئاب، على ما وصلت إليه حالة تردي وضع الدولة.
فهل ستكون هناك بعد ذلك بارقة أمل في إمكان دفع عجلة الإصلاح المطلوب، ولو شبرا واحدا إلى الأمام، بدلاً من التراجع أميالاً للخلف، والمزيد من الغوص إلى أعماق مستنقع الركود؟!وزير فاشلوزير فشل في إدارة أهم قطاع، وهو "النفط"، مصدر الحياة الاقتصادية الوحيد للبلد وأبنائه وأجياله القادمة، وأثار الكثير من اللغط، لكثرة ما اختلق من مشاكل، وركَّز همَّه في تحقيق مكاسب شخصية انتخابية فقط، عبر توظيف "محازيبه" والمحسوبين عليه، والعمل على تركيز وجودهم في شركات القطاع، لفتح المجال أمام مزيد من تكديس الموالين له ولجماعته في هذه الشركات، إلى جانب انكشاف موقفه في قضية مناقصة أنابيب النفط، التي حامت حولها الشبهات، وكان التزامه الصمت إزاءها مخزيا، حيث لم ينبس ببنت شفة، بل انصاع للأوامر، وطلب عدم إلغاء المناقصة.هاجس مؤسسة الحُكم طوال أسابيع، كان الشاغل الأساسي لمؤسسة الحُكم، هو كيفية معالجة مسألة تجنيب الوزير المدلل الوقوع في الحرج، الذي ينتظره من استجواب النائب أحمد القضيبي.لم يكن هاجسها معالجة فشله، وما خلَّفه من مشاكل، بل إنقاذه من الاستجواب.كان الجواب دائماً عن سؤال "لماذا لا تنقلونه إلى أي مكان آخر غير النفط؟"، بالقول إنه "لا يقبل"، وفي النهاية الخضوع لمساومات، ابتداءً باشتراط إما "النفط" وإما "الأوقاف"، وشرط القبول بـ "الأوقاف"، هو تغيير الوكيل، وترشيح وكيل من جماعته السياسية، التي وضعت شروط المساومة، وانتهاء بشروط إجراء تعديلات في قطاع النفط، تتناول حل مجلس إدارة المؤسسة، وإعادة التعيين على أسس قديمة، حتى بعد تركه المنصب.يحدث في البلاد الأخرى، أن يضع حزب أو تكتل معيَّن شروطاً، للمشاركة في الحكومة حول سياسات معيَّنة، أو برامج محددة، لكن أن يصل الأمر إلى "شيل فلان وحط فلان"، فذلك وضع مأساوي يكشف إلى أي مدى وصلت أمورنا من الانحدار والتردي.الطامة الكبرىوالطامة الكبرى، اشتراط سيادته ومساوماته، إحداث تغييرات في قطاع النفط، بحل مجلس إدارة المؤسسة، وإعادة تشكيله على الأسس السابقة، لتشكيل المجلس الحالي، أي العودة لتعيين ممثلين للوزارات، بدلاً من شخصيات مستقلة لها خبرة قادرة على إحداث تغييرات إيجابية على إدارة المؤسسة.والمؤلم، أن الصيغة الحالية - قبل القبول بشروط المساومة - أي تشكيل مجلس إدارة المؤسسة من شخصيات مستقلة ذات خبرة، وهي الرؤية التي اقترحها وزير النفط السابق د.هاني حسين، ووافق عليها رئيس مجلس الوزراء، ما يفترض أنه مقتنع بها، فكيف تتم الاستدارة عليها 180 درجة وإلغاؤها قبل مرور مدة كافية لمعرفة جدواها؟ فأياً كان الرأي حول أداء هاني حسين، إلا أنكم وافقتم على رؤيته؟ فهل يُعقل التراجع عنها فقط لإرضاء وزير؟! وهل يُعقل أن تُدار دولة، وفي أهم قطاعاتها، بهذه الطريقة؟!قرارات "قراقوشية" عشوائية بلا دراسة أو تأنٍ أو تشاور... فقط لأن حضرة الوزير "عايز كده"، من دون تفسير أو سؤال لماذا؟ فقط المهم إرضاء الوزير، والأخذ بخاطره، هل هي مكافأة؟ ولمن؟ ومن أجل ماذا؟