اطلعت منذ سنوات على كتاب "الحياة الثقافية في الكويت"، الذي ألَّفه د. خليفة الوقيان، فتبيَّن لي أنه منذ القرن السابع عشر الميلادي، حيث بدايات تأسيس الكويت لكيان بناء دولة، وهي تعاني تعصب دعاة الغلو الديني الذين يفدون إليها بين الحين والآخر، فكان علماء الكويت يتصدون لهم بالحجج المنطقية، والحوارات البناءة. لكن الغلاة دائماً كانوا يجدون من يؤازرهم وينافحون عن أطروحاتهم المتخلفة!

Ad

الكتاب يحفل بذكر الحوادث والأسماء على امتداد تاريخ تلك الحقب.

فلا غرابة إذاً أن نجد ذلك الماضي المغرق بمغالاته يفرخ لنا في هذا العصر هذه التيارات التي نراها الآن، والتي استفحلت تنظيماتها، حتى أصابت نجاحاً بالدخول إلى مجلس الأمة، وما هي إلا فترة وجيزة، حتى عمَّت البلاد - بسببهم - تيارات البغض والكراهية منذ احتلالهم، كأغلبية، أنبل وأشرف مؤسسة أنجزها الإنسان الكويتي (البرلمان)، فجعلوا منها أحد أهم منابرهم الداعية للطائفية والكراهية، ما أوصل أعضاء مجلس الأمة الكويتي إلى التشابك بالأيدي، والعصي، والأنعل، فضلاً عن الألفاظ التي لا تليق بمثل هذه المؤسسة.

ثم ختموها باقتحام المجلس ليلاً، بعد أن هيأوا لهذا الاقتحام أُناساً يأتمرون بأوامرهم.

• وكل هذه الظواهر لم تكن من أخلاق الكويتيين، قبل أن تستفحل ظاهرة الإسلام السياسي.

* * *

• ولندع تحركهم السياسي وتظاهراتهم، وانقسامهم على السائد في الكويت، حيث جعلوا البلد يعاني التوتر والقلق في ظروف يستفحل فيها الإرهاب في المناطق المحيطة بالكويت وغيرها... ولنقف على ومضات من مواقفهم من الأدب والأدباء في الكويت.

• فهذا صقر الشبيب - رحمه الله - كان مجاهراً صلباً في المطالبة بكسر طوق الجمود والتخلف وداعيةً إلى الإصلاح الاجتماعي في الكويت، وظل يحمل هذه الراية حتى أخريات أيام حياته.

والشبيب، كان حافظاً للقرآن الكريم، وعلى دراية بالعلوم الدينية والفقه، لكنهم كفَّروه وزندقوه، لأنه قال:

تعيث عمائم الأوغاد فينا

فساداً باسم دينك يا إلهي

وليس لهنَّ من قصد سوى ما

صبون إليه من مالٍ وجاه

سلكنا من اسم دينك مسرعات

إلى الدنيا طريقاً ذا اتجاه

كان صقر الشبيب ذهب إلى الأحساء، لتلقي العلم هناك، حيث كانت فيها مراكز للعلوم الدينية، فمكث سنة ونصف السنة، ثم عاد أدراجه إلى الكويت، بعد أن ضاق ذرعاً بالعقول المتخلفة التي كانت تتصدى لأفكاره الداعية إلى تحرر الإنسان من ربقة الغلو الديني.

وعاد إلى الكويت، ليواجه الغلو الديني وأصحاب العمائم بشعر سرعان ما تناقله الناس، ومما قاله:

تفرقنا الجهالة كيف شاءت

وتفعل ما تريد بنا البطاله

يزندق بعضنا بعضاً شفاهاً

مطيعين العمائم في الضلاله

ويلعن بعضنا بعضاً لأمرٍ

علينا مكرهم فرض امتثاله

فلم يتورع غلاة الدين من أن يوجهوا تهماً صريحة بالكفر والزندقة على صقر الشبيب، الذي رد عليهم:

ما لي عن الإسلام ما عشت مرغب

إلى غيره حتى ولو قطعوا رأسي

فيا ليت شعري ما يريدون بالذي

يذيعون من كفري المزور أو لبسي

فالذين اتهموا صقر الشبيب بالكفر والزندقة، لأنه لم يوافقهم على مغالاتهم في ما يحملونه من أفكار متخلفة باسم الدين ينسون له أنه عمل فترة واعظاً في أحد مساجد الكويت.

ومما قاله الدكتور - الوقيان - لم تكن تلك المهمة الإصلاحية يسيرة، فدعاة الغلو الديني الذين كانوا يفدون إلى الكويت يدركون خطورة الدور الإصلاحي الذي يقوم به علماء الكويت وأدباؤها من جهة تنوير العقول، لذلك لم يكونوا يتورعون عن تكفير هؤلاء العلماء والأدباء، وإصدار الفتاوى التي تبيح دماءهم، وفي مقدمتهم الشاعر صقر الشبيب، على الرغم من معرفتهم أن صقراً يقف على أرضية ثقافية شرعية متينة.

صقر - رحمه الله - شاعر عروبي التوجه تزخر أشعاره بالدعوات الإصلاحية لأمته العربية، وكان يشارك من طوق محبسه الذي فرضه على نفسه بالأحداث التي تجري في الوطن العربي، داعياً إلى التحرر والإصلاح والتطور.

وقد كتب عنه مؤرخ الكويت عبدالعزيز الرشيد وعن مكانته الإصلاحية في شعره، ولقبه عيسى القناعي بـ "شاعر الكويت"، لكن المغالين الذين يقفون حجر عثرة في طريق التطور لا يرونه كذلك. رحم الله الشاعر صقر الشبيب، الذي قال:

ولكني كما سُميت صقراً

فهل أبصرت ذلاً في الصقور؟!