يضحك على نفسه قبل أن يضحك على غيره، من يتهم التيارات السياسية، سواء حركة حدس، أو التكتل الشعبي، بأنهما وراء القرار السيئ، بإلغاء اتفاقية "الداو كيميكال" المثيرة للجدل.

Ad

قرار إتمام الصفقة كان من الحكومة الموقرة، وإلغاؤها كان من نفس الحكومة بذات الوقار، والحكومة يا سادة يا كرام تملك من المستشارين والكوادر المؤهلة والإمكانيات ما لا يملكه "الشعبي" أو "حدس" أو غيرهما.

لذلك من الظلم أن نحمل أي طرف غير الحكومة، مسؤولية ما حدث، وما عرف بالغرامة المليارية الباهظة، ومَن تابع الموضوع فسيتذكر بالتأكيد ذلك اللقاء التلفزيوني ليلة إلغاء الصفقة، الذي جمع وزير النفط آنذاك محمد العليم، والقيادية بشركة البتروكيماويات أيضاً آنذاك مها ملا حسين، وطريقة العرض الرائع بلا لف أو دوران، حينما أكد الوزير صحة قرار الصفقة، وقدم شرحا وافيا لبعض الأمور المتاح الإفصاح عنها، وبعد هذا اللقاء بساعات قليلة، وبالضبط في ظهر اليوم التالي، اتخذت الحكومة القرار التاريخي سيئ الذكر بإلغاء الصفقة! مما يدل وبشكل لا يقبل الشك، على مسؤولية الحكومة، لأنها كانت تملك كل المعلومات، وكان لديها وزير متميز، يعرف عمله تماماً، ولم يعط الفرصة، غير أن لي على الوزير العليم مأخذاً واحداً، وهو أني تمنيت لو قدم استقالته، لحظة الإلغاء، حتى يكون منسجماً مع نفسه، وبعدها يقدم بلاغاً للنائب العام للتحقيق مع الحكومة، لبحث الأسباب التي جعلتها تتراجع بشكل غير مفهوم عن السير قدماً في الصفقة.

إلغاء "الداو كيميكال" يبرز التعامل السياسي الضعيف للحكومة أمام مجلس الأمة القوي الممارس لصلاحياته آنذاك، حيث تم إلغاء الصفقة، هرباً من مواجهة غير محسوبة العواقب! كما تبين لاحقاً، لكن للحق وهذا ما أكده النائب أحمد لاري، أن حجة "التكتل الشعبي" في الضغط على الحكومة في تلك الأيام، كانت تقارير ديوان المحاسبة، التي بنى التكتل عليها موقفه المعارض للصفقة، لذلك فالأمر لا يخرج عن احتمالين: إما قناعة الحكومة بموقف الشعبي، أو خشيتها من مواجهته! وفي الحالتين الطريقة خطأ!

لن أدخل في التفاصيل، فالإنترنت يعج بتفاصيل التفاصيل، حتى مساحة المقال لا تساعد للإسهاب، لكن علينا التعلم من الدرس القاسي، الذي خسر بسببه بلدنا مبلغا صخما، كان بإمكاننا صرفه على خدمة البلد وأهله، لأن ما حصل كان كارثة سياسية مالية إدارية، فضلاً عن الخسارة المعنوية، ولاتزال رحى بعض بقايا المناقشات تدور حول ذلك الموضوع المحزن.

الآن رئيس الحكومة السابق متقاعد، وأغلبية الوزراء في هذا الوقت، لم يعودوا في مناصبهم الآن، وحتى "التكتل الشعبي"، لم يعد ذاك التكتل ذا التأثير، كما أن مجلس الأمة مختلف أيضا، ولم يعد له ذاك التأثير، ومجلس الوزراء أصبح يملك قراره بلا ضغط برلماني حقيقي، والأمور لا تجعل للعذر مكاناً عند صاحب القرار الحكومي، لذا علينا أن نتعلم بجد، وأن نخدم بلدنا بلا أعذار واهية، لا مكان لها بميزان الحقيقة، وقضية "الداو" من المهم توثيقها بملف يدرس للقياديين، وهو درس قاسٍ مر مرور الكرام! ولم تبق منه إلا بعض المناقشات والمقالات، هنا وهناك، لن تغير من الأمر شيئاً... مجرد ذكرى لا أكثر.