شاءت الظروف أن أكون في أوروبا مع وقوع الحادث الإرهابي الكبير الذي شهدته باريس الجمعة الماضي، ومازلت هناك وأتابع ردود الأفعال على ذلك مما يمكن متابعته من قنوات تلفزيونية أو ترجمته من صحف وخلافه، ولا شك في أن اليمين الأوروبي يستغل الفرصة بشكل موسع لتوجيه الضربات المعنوية والدعائية وسن التشريعات القانونية ضد المسلمين، ومن خلف الستار بالطبع اللوبي الصهيوني الداعم له، والذي يتحرك بشكل اخطبوطي في وسائل الإعلام الأوروبية لتأجيج الوضع ضد المسلمين الذين طالما أزعج إسرائيل وجودهم الكبير في أوروبا.

Ad

فالحكومة الفرنسية ماضية في تبني المقترح اليميني بوضع أربعة آلاف فرنسي مسلم مشتبه فيهم قيد الإقامة الجبرية، وإجراءات أخرى تتعلق بتقييد اتفاقية شنغن لمراقبة الحدود بين الدول الأوروبية، والتي تعني ضمنياً مراقبة حركة المسلمين الأوروبيين في فضاء القارة الأوروبية، وإجراءات أخرى مختلفة ضدهم، كل هذا والأوروبيون المسلمون، وخصوصاً الفرنسيين منهم، بلا حراك أو تحرك لمواجهة الهجمة التي تستهدفهم وكأنهم ليسوا مواطنين يملكون كل الحقوق الدستورية والقانونية.

لم تتحرك جمعيات وفاعليات مسلمة فرنسية أو أوروبية لتقول للحكومات الأوروبية سنقاوم أي إجراءات تعسفية تنتهك حقوقنا بالقانون والتحركات الاحتجاجية السلمية، وتؤكد كذلك أن مسلمي أوروبا مواطنون صالحون فيهم شواذ من المتطرفين، كحال كل الأعراق والديانات كما كان سابقاً مثل "بادر ماينهوف" و"الألوية الحمراء الإيطالية"، ولم تتحرك أيضاً فاعليات إسلامية أوروبية لتوضح أن سكوت المجتمع الدولي عن قتل بشار الأسد وإيران والميليشيات الشيعية للشعب السوري على مدى ثلاث سنوات سيوقظ تطرفاً سنياً بغيضاً ووحشياً، بعد أن هزم العالم تقريباً تنظيم القاعدة، وكان في طريقه إلى الاندثار لولا لعب إيران وأعوانها في بغداد ودمشق بورقة التطرف الأصولي السني لغرض إقصاء سنة العراق، وإنقاذ نظام الأسد من السقوط، بحجة أنه بديل التطرف الذي صنعه بيده في سورية لتكون أرضها مرتعاً لكل متطرف أصولي انتقل من أفغانستان عبر إيران أو أطلق سراحه من سجون بغداد ودمشق.

المسلمون في أوروبا خانعون يتلقون الضربات، في حين أن اليهودي الأوروبي في أثناء قصف تل أبيب لغزة وتدميرها يخرج على الإعلام الأوروبي كمواطن أوروبي كامل لديه كل الحقوق، ويدافع عما يمارسه المتطرف الصهيوني من قتل وتدمير في فلسطين، وهنا لا نريد أن يدافع الأوروبي المسلم عن فعل الإرهابي الداعشي، بل عليه أن يقول لأوروبا إن تجاهلكم ما يحدث من مجازر وسلاح كيماوي في سورية، وكذلك تحذيرات تركيا من أزمة ملايين اللاجئين السوريين، واستباحة طهران للعراق مقابل الاتفاق النووي مع طهران، وكذلك وضع مصالح إسرائيل فوق مصالح الجميع في الشرق الأوسط، كل ذلك جعل الأمور تخرج عن السيطرة.

الأوروبي المسلم في حالة صعبة وفي وضع مستكين، ولديه إحساس اللاجئ حتى لو كان مواطناً أوروبياً من الجيل الثاني أو الثالث لمهاجرين، ولا يحاول أن يتحرك بشكل منظم ليبين أنه جزء من المجتمع الأوروبي الذي يعيش فيه وليس طارئاً عليه، وأن الإرهابيين هم عرض لمرض له مسببات كثيرة يجب أن تعالج، لذا فإن استهدافه بهذا الشكل سيزيد الوضع سوءاً ولن يعالج المشكلة.