بينما ينعقد مؤتمر القمة لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج في دورته الـ36 في الرياض، تكون أسعار النفط الخام قد كسرت مستويات 37 دولاراً للبرميل الواحد في أدنى مستوياتها منذ عام 2009، مما يشكل ضغطا عاليا على اقتصادات دول تعتمد على إيرادات النفط بشكل كبير، والتي تتأرجح بين 75 و93 في المئة من أصل إجمالي الإيرادات.

Ad

ومنذ انخفاض أسعار النفط في منتصف 2014، أعلنت الكويت والسعودية اتجاههما صراحة الى الاقتراض لتغطية العجوزات المتوقعة في ميزانية هذا العام، في حين أطلقت قطر والإمارات إشارات لاتخاذ خطوات اقتراض مشابهة لتنضم دول الخليج الغنية الى جانب البحرين وعمان اللتين سبق أن خصص لهما مجلس التعاون الخليجي سابقا برنامجا خاصا للتمويل، وفقا لشرائح زمنية.

ظروف مختلفة

وتنعقد قمة هذا العام في ظروف مختلفة يتزايد فيها التحدي الاقتصادي، وسط محيط أمني ملتهب، ومع أن القمة ستتطرق - بحكم العادة - إلى الملفات الاقتصادية، في بيان ختامي يغلب عليه الطابع الإنشائي، إلا أن الهم الأكبر سيكون للملفات الأمنية في المنطقة، رغم أن التحديات الاقتصادية نفسها لم تعد تلك التقليدية القديمة والعالقة كالاتحاد الجمركي أو السوق الخليجية المشتركة أو العملة الموحدة أو الاتحاد النقدي، بل تطور التحدي ليغدو أكبر مما سبق، لكونه بات يتعلق بالمصدر الرئيس للدخل في الخليج، وهو النفط، وحرب الأسعار في السوق وفوائض الإنتاج النفطي وعودة العراق وإيران الى السوق، الى جانب السياسات غير الحصيفة في «أوبك»، فضلا عن الحاجة إلى سياسات إصلاح اقتصادي ومالي وإداري لدول كانت تُقرض فباتت تقترض!

مؤشرات وتجارب

وفق صندوق النقد الدولي، فإن دول الخليج تواجه هذا العام تراجعا في إيرادات النفط بـ 250 مليار دولار في 2015 مقارنة بـ2014، مع توقع بتحول الفائض المالي لدول «التعاون»، والذي يمثل 4.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2014، إلى عجز بحوالي 7.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2015.

وتشير التجارب السابقة الى أن الحالة الاقتصادية تقع في أدنى أولويات مجلس التعاون، وهو ما تبين مع بدء الأزمة المالية العالمية في 2008، وعادت أزمة أسعار النفط في 2014 لتؤكد هذا الموقف مجددا، مع أن منطقة الخليج يمكنها بقليل من الإجراءات الموحدة أن تكون منطقة تجارية واستثمارية جيدة جدا لعديد من المستثمرين الذين يريدون تحاشي الاستثمار في أوروبا وأميركا، لكن الخلافات التفصيلية لاتزال تؤجل الاتحاد الجمركي عاما تلو الآخر، وكذلك الأمر بالنسبة الى السوق الخليجية المشتركة، التي أُقرت بشكل رسمي عام 2001، إلا أن إجراءات دخولها حيز التنفيذ لاتزال شبه معدومة، فدول الخليج تعاني غيابا لافتا على مستوى التكامل في عديد من القضايا الاقتصادية الصغيرة، فما بالك بالكبيرة والأساسية؟!

أمن أو اقتصاد

ربما يقول البعض: هل من المقبول أن تتجه اهتمامات القمة الى الملفات الاقتصادية في ظل تنامي التهديدات الأمنية في المنطقة بشكل غير مسبوق؟

بالطبع ليس هناك ما يمنع من متابعة الملفين «الأمني والاقتصادي» معا، وخصوصا في ظل وجود مؤسسات تابعة لمجلس التعاون متخصصة في كل محور أو قضية، فضلا عن أن تحديات الاقتصاد على المديين المتوسط والطويل لا تقل أهمية عن أي تحد أمني.

فمثلا تحدي ارتفاع نسبة الاعتماد على النفط في الإيرادات ما بين 75 و93 في المئة - والكويت أعلاها - يمثل خطرا اقتصاديا واجتماعيا على مستقبل دول المنطقة، في وقت باتت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط، متجاوزة بذلك السعودية، فضلا عن عودة العراق الى الإنتاج وكذلك إيران، وما يترتب على عودتهما من منافسة في سوق النفط.

كل هذا يتزامن مع تنامي أسعار التعادل في الميزانيات الخليجية إلى مستويات تقارب الأسعار الحالية لبرميل النفط الخام، بسبب نمو الإنفاق الجاري وتراجع كفاءة الميزانيات، وهو ما رفع كلفة سعر التعادل لتتراوح بين 84 و102 دولار للبرميل، مما يعني أن مجرد حدوث اختلال أو تباطؤ في سوق النفط العالمي، ولاسيما الآسيوي، سيؤدي حتما الى دخول دول الخليج في دائرة العجز المالي والاستدانة وتراجع الإنفاق العام، وهي أمور قد تؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية متعددة.

كذلك يبرز التحدي الأمني، فضلا عن الاقتصادي، عندما نعلم أن 4 من أصل 6 دول تعاني اختلالا لافتا في التركيبة السكانية، بحيث تتجاوز نسبة الوافدين، مقارنة بالمواطنين، 51 في المئة، كما هي الحال في البحرين، و69 في المئة في الكويت، لتصل الى 87 في المئة في الإمارات، و89 في المئة في قطر، وهو أمر له انعكاسه الواضح على سوق العمل ومستوى وكلفة الخدمات وغيرهما، الى جانب الآثار الاجتماعية والأمنية المرتبطة باختلال التركيبة السكانية بصورتها الفجة في منطقة الخليج.

مراجعة الإنفاق

اليوم مع تراجع أسعار النفط تظهر الحاجة في دول الخليج الى اتخاذ قرار سيادي بمراجعة أوجه الإنفاق العام وأهدافه، فإنفاق المليارات على المشاريع يجب أن يرتبط بفوائد اقتصادية واضحة كخلق فرص العمل وتنويع الإيرادات والاستدامة، وألا يكون الإنفاق مضرا على مستقبل الأجيال وتبديدا للثروات في المنطقة.

لم يستطع مجلس التعاون منذ تأسيسه تجاوز الخلافات التفصيلية الصغيرة بين الدول الأعضاء بشأن العملة الموحدة ولا الاتحاد النقدي ولا البنك المركزي الخليجي ولا السوق الخليجية المشتركة ولا الاتحاد الجمركي... فكل الملفات الاقتصادية كان مصيرها النهائي الخلاف والفشل، وفي أفضل الأحوال التأجيل، ومع ذلك كان النفط «ستار العيوب».

اليوم لم يعد النفط يلعب ذاك الدور، وبات الحديث عن اتخاذ إجراءات حقيقية على الصعيد الاقتصادي والمالي ضرورة قصوى.

وحدة وإصلاح

وقد تطورت النماذج والمنظمات والهيئات الوحدوية الناجحة كلها في العالم لمصلحة المشروع الاقتصادي، ونموذج مثل دول «بريكس»، الذي يضم دولا صناعية ذات اقتصادات كبيرة كالبرازيل والهند والصين وجنوب إفريقيا وروسيا، جدير بالاحترام، بوصفها دولا لا رابط جغرافيا لها، ومع ذلك نجحت في إنشاء مشروع اقتصادي يحتوي على كثير من البيانات والأرقام أكثر بكثير من الخطابات السياسية، فضلا عن نماذج أخرى كالاتحاد الأوروبي و«آسيان» وغيرها.

لم يعد العالم كما كان قبل 36 عاما مع بدء تأسيس مجلس التعاون، ويجب الاعتراف بأن إصلاح الاقتصاد والمالية العامة بات من إصلاح الإدارة ومؤسسات الحكم. والأولى أن تنتبه المنظومة الخليجية الى الملفات المستقبلية والتحديات الحقيقية الاقتصادية والمالية التي تواجه دولها وإيراداتها وخدماتها ومستقبل أجيالها إن أرادت أن تكون جزءا فاعلا من هذا العالم.