وحدها وقفت ليلى بوك على خشبة مسرح الجميزة، ترافقها أضواء خافتة وصورتان لجدتها وجدها وكرسي، هكذا من دون ديكور أو حركة ممثلين، مع ذلك ملأ حضورها المكان وتفاعل معها الجمهور على مدى ساعة وعشرين دقيقة، كانت خلالها تروي حكايات من حياة جدتها وجدّها، تتقاطع  فيها قضايا شخصية وسياسية في الجدل المتنامي حول الهجرة والهوية والانتماء والجذور،  وماذا  يعني أن  تصبح أميركياً.  

Ad

بنية السرد، مرتكزة على أسلوب قصص {ألف ليلة وليلة} حيث الجدة هي  الراوي، وقد حفزها تشخيص إصابتها بمرض ألزهايمر إلى أـن تروي لحفيدتها  قصصها المخبأة في ذاكرتها، قبل ان تفقدها إلى الأبد،  فحلقت  تلك القصص بين بيروت وواشنطن، منذ 1930 لغاية يومنا الحاضر، وأقحمت قصصاً لأفراد العائلة،  رغم صراعها مع أعراض الخرف، وماذا خسر جدها من هجرته إلى اميركا، وهو الجانب المأساوي من الحلم الأميركي.

تناقضات الحياة

تبدأ القصص في بيروت مدينة تعج بالحياة والحضارة، مدينة السهر حتى الصباح، مدينة تنصهر فيها الديانات السماوية ولا فرق بين مسلم ومسيحي، والدليل أن جدتها تزوجت شاباً  مسلماً، وعاشا سعيدين وأسسا عائلة، ولم يخطر ببالهما أن مؤامرة ما ستقلب حياة هذه المدينة بل حياة لبنان رأساً على عقب، وسيضطران للاقتلاع من جذورهما والسفر إلى البعيد البعيد بحثاً عن امان فقداه في لبنان.

تمضي ليلى في سرد حكايات جدتها  التي  تستعيد فيها ذكريات حول الحفلات التي كانت تحضرها مع زوجها وكيف كان يصطحبها للسهر في المطاعم، وميزة  طبيعة لبنان التي تجمع بين الجبل والبحر...

مع اندلاع الحرب وتقطع اوصال الوطن، نمت فكرة الهجرة هرباً من الموت، وفي هذه المرحلة  تروي الجدة لليلى قصصاً متعلقة بالهوية والتسهيلات للحصول على الجنسية الأميركية.

وفي فصول المواطنة التي تعلمها الجدة لجيرانها لدى انتقالها إلى أميركا، لم يعد الجمهور مجرد متفرّج، بل يصبح مشاركاً  فعالا في العرض، ويدخل الارتجال إلى أداء ليلى بوك الذي يفرضه تفاعل الجمهور معها، فيشاركها في الآراء وفي تذكّر أحداث معينة ومناقشتها أو حتى تذكر أغنيات... مع تطور الأداء، تتوقف  ليلى للحظات لتساعد الجمهور على التقاط خيط قصصها، قبل أن تنتقل إلى إبراز معاناة جدتها  من جراء الهجرة والغربة عن الوطن الذي يصبح مجرد فكرة وذكرى جميلة، وتغدو  الأرض البعيدة هي المحطة الأخيرة في حياة الجد والجدة، اللذين حاولا التأقلم مع عادات تلك البلاد وتقاليدها إلا انهما لم يتخليا عن عاداتهما وعن هويتهما، وأكثر من ذلك حاولا تعريفها إلى جيرانهم  في الحي الذي يسكنان فيه. وهنا يسجل الجد مرارة عندما يتذكر كيف أنه كان ضابطاً كبيراً في بلده لبنان وحاز وساماً من إنكلترا، فيما هو في أميركا مجرد شخص عادي...

فلسفة جديدة

رغم كل هذه الظروف، يتوصل الجدة والجدة إلى فلسفة خاصة بهما وهي أن الدين في طريقة التعامل السمحة والعادلة مع الغير، وأن الوطن يبقى في الضمير والوجدان والقلب  حتى لو بات بالنسبة إليهما مجدر حلم.  في نهاية المطاف كلما تتدهور ذاكرة الجدة، يدرك  الجمهور أن الأمر متروك له لاتخاذ قرار ليس  فقط حول اي جزء من قصصها  يحفظ، ولكن كيف، كأمة، نختار القصص، والناس، والثقافات التي تشكل هويتنا.  توفيت جدة ليلى في 2013، وكانت شاهدت العرض الذي انطلق في 2008 وفاز في تلك السنة بجوائز: {لجنة تحكيم ميدل إيست أميركا (2008)، مركز تنمية المسرح في نيويورك، مشروع مسرح طريق الحرير (شيكاغو)، جائزة الإنتاجات الذهبية (سان فرنسيسكو)، جائزة سييتار غلوبل كونغرس في غرانادا في إسبانيا، مهرجان حول العالم في 24 ساعة في نيويورك. كذلك   شارك العرض في مؤتمر الكتاب العرب الأميركيين  في المتحف الوطني ديربورن (2012).   قدمت ليلى بوك  عرض {حكيلي} في دول عربية عدة من بينها تونس وجدة...

ليلى بوك

ليلى بوك كاتبة لبنانية أميركية، تعلّم فن الأداء، يتمحور عرضها المنفرد الأول ISite حول طفولتها ونشأتها بين أميركا والدول العربية واوروبا والصين بحكم ان والدها كان ديبلوماسياً،  وقد نشر النص  في {أنطولوجيا مسرحيات عربية أميركية}.

مسرحيتها الثانية In the Crossing  تمحورت حول تجربتها في لبنان مع زوجها من اصل يهودي خلال حرب تموز 2006 بين حزب الله وإسرائيل، والتحديات التي واجهتها لدى روايتها هذه القصة لدى عودتها، وكان العرض الأول أمام الجمهور النيويوركي. ومن ثم طورته بدعم مسرح واشنطن ومسرح نيويورك لورش العمل، ومسرح طريق الحرير في شيكاغو...

العرض الثالث {الرحلة واحد على 23}، يتمحور حول مواطن أميركي يحاول الصعود على متن طائرة للوصول إلى أسرته في فلسطين، خلال الحصار الإسرائيلي في غزة، وعندما سأله رجل أمن أفريقي- أميركي في يوم عمله الأول حول قصة خرافية أفريقية وجدت في حقيبته ما أثار تعقيدات.

العرض الرابع {وان}: تتخيّل فيه ليلى أن جدتها اللبنانية في الثمانين من عمرها تذهب من باب إلى باب لتسجل أصواتا لأوباما وتواجه بدايات في أميركا.