لم تعد عبارة "الأوقات العصيبة" كافية لوصف حال التشكيلة الحكومية لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، فالتوازن السياسي الذي أوصله إلى السلطة، يقترب من الانهيار قبل أن يحتفل الرجل بالذكرى الأولى لتسلمه المنصب في سبتمبر الماضي.

Ad

كانت حكومة العبادي نتاج "مشروع إصلاح سياسي" يدعمه معتدلو الشيعة وشطر أساسي من الأكراد والسنة، محاطاً بتأييد إقليمي والتزام أميركي و"قبول على مضض" من إيران. بيد أن هذا المشهد يتفكك اليوم، إذ ينزوي الأكراد وراء مشاكلهم ويشتكون من نقص التمويل من بغداد، كما تفقد القوى السنية الأرض وما تبقى من مناصب ومكاسب، في وقت تتعاظم قوة الجماعات المسلحة الموالية لطهران، لتشيع الإحباط في صفوف الاعتدال الشيعي بدءاً من مرجعية النجف، وليس انتهاء بالأحزاب التقليدية مثل "المجلس الأعلى" بزعامة عمار الحكيم، و"التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر.

وكمثال على "الضياع" فإن كثيرين كانوا يراهنون على أن زيارة العبادي إلى طهران، ستتضمن حواراً جدياً يعكس الخلاف في وجهات النظر بين تيار شيعي عراقي معتدل، وفريق إيراني يريد أخذ الصراع الى أقصاه ولا يتردد في عرقلة التعاون بين بغداد وواشنطن.

لكن وسائل الإعلام الإيرانية حرصت على ترويج صور للقاء العبادي بالمسؤولين في طهران، لا تتضمن أي وجوه عراقية معتدلة، وراحت تركز على صورة زعيم ميليشياوي بارز اصطحبه العبادي في الوفد، هو النائب السابق جمال جعفر، الملقب بـ"أبي مهدي المهندس"، والمعروف بأنه "عماد مغنية العراقي" في إشارة إلى القيادي في حزب الله لبنان، صاحب المهمات السرية والمقرب من "فيلق القدس" الإيراني، الذي اغتيل في دمشق قبل سنوات.

والمهندس الذي يرأس عملياً اليوم، قوات "الحشد الشعبي"، ظل يلعب أدواراً سرية في العراق كمبعوث مخول للقيادة الإيرانية، ويمثل اتجاهاً متشدداً رافضاً لأي تصالح داخلي أو تطبيع إقليمي، لكن دوره في الحرب ضد "داعش" تعاظم وأصبح مكشوفاً بوصفه شخصية عراقية نافذة على كل الجماعات الشيعية المسلحة، وطرفاً موثوقاً بالمطلق من "فيلق القدس" الإيراني.

وبدلاً من أن يناقش العبادي مع الإيرانيين "تنظيم دور الميليشيات" كي لا ينهار ما تبقى من معنى الدولة وهيبتها، فإن وجود "المهندس" كطرف بارز في الوفد الزائر لإيران، اعتبر داخل الصالونات السياسية البغدادية مؤشراً على أن رئيس الحكومة "يستسلم" للتيار المتشدد، ويفتقد الدعم ودرجة التواصل المطلوبة، من الأطراف العراقية التي كانت تدعم إصلاحات واعدة تعرقلت بسبب فيتو إيراني واضح.

وبينما كانت واشنطن تنتظر من العبادي خطوات واضحة لتطويق نفوذ الميليشيات، وتنشيط الاتصال مع بقية المجموعات السياسية، فإن حكومة العراق لا تمتلك حسب المراقبين، سوى إعلان عجزها عن المبادرة، وسط تأخر أي موقف عسكري معقول لتأمين حزام بغداد الذي يواجه تحدياً كبيراً منذ سقوط الرمادي بيد "داعش" قبل نحو شهر، وأزمة اقتصادية متعاظمة دلل عليها تدهور سعر صرف العملة المحلية، وجمود غير مسبوق في الحوار الداخلي، وغياب يتكرس لكل الوعود التي التزم بها رئيس الوزراء العراقي طوال شهور، وصار يفضل الصمت بشأنها في الأسابيع الأخيرة.