حساب النجاح والفشل لعام 2015
في الشركات المساهمة يقوم بعملية الجرد وتدقيق الحسابات مكاتب متخصصة يفترض أن الأمانة المهنية هي أساس جردها وتقييمها وحسابها لأداء عناصر رأس المال وعمليات الشركة، فمن الذي يقوم بمثل هذه المهام للدولة ولأعمال الحكومة وإنجازاتها وإخفاقاتها ليرينا كم تحقق من النجاح، وكيف انعكس ذلك على حاضر البلاد، وما سيؤثره على أدائها ورأسمالها في المستقبل؟ ومن الذي سيقف ليقول للحكومة وأجهزتها المتعددة بالأرقام والحقائق أين نجحت، وأين أخفقت وما نسبة أحدهما إلى الآخر وما يعني ذلك لمستقبل البلد؟ لا أظن أن أي عمل جاد يتم في هذا الأمر، وإن تم فإن الإشارات تكون بالمديح لإنجازات قد تمت لكن بأغلى تكلفة وأقصر عمر.هل نحن اليوم أفضل من عام مضى في خدمات الحكومة ومشروعاتها وإنجازاتها في كل المجالات؟ وهل بالفعل يطلب رئيس الوزراء جردة فعلية ودقيقة لما نُفّذ من إنجازات وإصلاحات لينام ليلة رأس السنة الجديدة مطمئنا بأن كل شيء على ما يحبه ويرضاه، وأن البلد بإدارته قد حقق كل ما خطط له في نهاية العام الماضي، ورأى نتائجه هذا العام؟ وهل دقق في مصروفات الحكومة وأجهزتها ليرى أن بنود الصرف قد ذهبت لما خصصت له، وأن النتائج فاقت التوقعات من حيث الجودة والتكلفة، وأن شعب الكويت سيحتفل بالعام الجديد سعيداً بما أنجز ومطمئناً للمستقبل؟ لا أعتقد أن أيا من هذا سيحدث لأنه بكل بساطة لا أحد يهتم، وكان أفضل تعبير لأحد الوزراء أن الكويتيين لا همّ لهم إلا الانتقاد والتذمر وهم يشربون قهوة الحكومة. أترك لغيري مهمة النتائج الاقتصادية والمالية، لنرى ماذا تم في حياتنا السياسية؟ وهل تقدمنا أم تقهقرنا خلال هذا العام فقط؟ بكل بساطة نحن رجعنا سنوات إلى الوراء، ففي نهاية عام 1989 وأوائل عام 1990 شهدنا بعض ما حدث ويحدث هذه الأيام، وهو اعتقال المواطنين وزجهم في السجون بسبب رأي قيل أو خطاب حماسي عبر به عن سوء الإدارة، وفي كل العهود التي عاشتها الكويت لم يحدث أن أسيء للمواطنين بالقتل أو الاعتقال إلا في فترات قصيرة كان رد الفعل لدى الناس رادعاً للتراجع عنها.
قبل عهد عبدالله السالم وبعده جرت بعض الأحداث المتفرقة، لكن أسوأ انتكاسة للحريات والديمقراطية هو ما حدث هذا العام ومازال يحدث للآن، حيث يقبع في سجون الكويت سجناء رأي، لم يسرقوا ولم يهربوا مخدرات ولم يزعجوا الناس في منازلهم، ولا هم تخابروا مع عدو للبلاد أو شاركوا في أنظمة إرهابية. هم فقط قالوا كلاما اعتبرته السلطة خارجا ففتحت لهم السجون ليتأدب الجميع.رد الفعل الشعبي لم يكن مثل الرد أثناء حل مجلس الأمة في أواخر الثمانينيات؛ مما أدى إلى استئساد الحكومة والمبالغة في تقديم الناس للمحاكمة، فالحكومة لا تدري أن هذا يعيب الكويت أمام الرأي العام العالمي، ويترك مرارة لدى الشعب الكويتي وسخرية من حكومة تستفزها كلمة، وتخرج على مبادئ دستورها من تغريدة هنا أو هناك. لا أحد في الحكومة يعمل الجردة السياسية ويقارن بين عهد عبدالله السالم مثلا وعامنا الحالي، وذلك لرؤية إن كانت الحكومة حفظت الأمانة أم أنها رفستها وأهانت مضامينها، واستسلمت لنغمة التفرد والتمرد والضرب بمبادئ الدستور عرض الحائط.سيقول قائل: لكن الظرف العام وما يحدث حولنا يتطلب حماية البلاد من الانشقاق والاختلاف، ويتخذون من الأحداث قميصا لعثمان يلبسونه كل التصرفات الخطأ، بينما تتطلب الأحداث حولنا أن تكون الحكومة أكثر التصاقاً بشعبها وأكثر انفتاحا لسماع النقد والتنفيس عن الغضب لنكون جميعا في خدمة بلدنا عن حب وإيمان، لكن ماذا تفعل في حكومة تقرأ بالمقلوب؟أتمنى ولمصلحة الكويت أن يطلق سراح جميع المعتقلين السياسيين، بالطبع غير أعداء البلاد والإرهابيين، لكن من قال أو كتب رأياً، وإن كان جارحا، فهو لم يقل أو يكتب إلا حباً في الكويت، ولم يقل أي منهم الإساءة لمجرد الإساءة، ليتنا ندخل العام الجديد بإطلاق سراحهم وأن ندخل بفهم أكثر للحرية والتعبير عن الرأي.عام سعيد عليكم جميعا.