انتخابات مصر تثير الشكوك في المرحلة

نشر في 25-10-2015
آخر تحديث 25-10-2015 | 00:01
 ياسر عبد العزيز الانتخابات البرلمانية المصرية جرت بلا سياسة ولا آمال، واتضح هذا في أسماء القوائم المتنافسة، أو خبرات المرشحين، أو أنماط الدعاية، أو المحتوى السياسي الذي قدمه المتنافسون، حيث اتسم معظم هذا المحتوى بالسطحية، والشعاراتية، والتنافس على درجة التأييد والاصطفاف، والميل إلى البذاءة في أحيان عديدة.

قبل أسبوع من إجراء المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية المصرية، نشرت في هذه الزاوية مقالاً بعنوان "انتخابات قديمة في عهد جديد"، وقد اختارت "الجريدة" الفقرة التالية، وأبرزتها كإحدى أهم الأفكار المركزية في هذا المقال: "تلك إذاً انتخابات قديمة في عصر جديد؛ إذ تظل تعاني استبعاد أطراف معينة من المنافسة، وعزوف قطاع الشباب، وهيمنة القوى التقليدية، وتصاعد دور المال السياسي غير معروف المصدر، والتلاعب بعواطف الناخبين الدينية، والميل إلى تكريس السلطوية، حتى لو تم ذلك عبر الصناديق".

لقد جاءت نتائج التصويت في تلك الجولة من الانتخابات لتؤكد هذا التحليل؛ إذ تدنت نسبة المشاركة بشكل واضح، رغم النزاهة الإجرائية، والجهد الأمني الكبير، والتسهيلات اللوجستية، والحملة الإعلامية والدعائية الترويجية.

ولفت انتباه المراقبين عزوف الشباب عن التصويت، حيث لم يكن في اللجان سوى كبار السن والسيدات في أغلب الأحيان، وكشفت النتائج عن فوز ساحق لقائمة "في حب مصر"، التي أفاد القائمون عليها بأن هدفهم من دخول البرلمان "دعم الرئيس وتأييده"، كما أشارت النتائج أيضاً إلى فوز عدد كبير من المرشحين الذين كانوا يمثلون "الحزب الوطني" (حزب مبارك الذي تم حله في أعقاب انتفاضة يناير).

لا يمكن إغفال أن تلك الانتخابات تمخضت أيضاً عن نتائج إيجابية، بعضها يتصل بالاستكمال الإجرائي لـ"خريطة الطريق" التي وعد بها الرئيس السيسي (الفريق أول السيسي وزير الدفاع آنذاك) في 3 يوليو 2013، بعد إطاحة حكم "الإخوان"، وبعضها الآخر يتصل بتحسين صورة مصر الدولية، واستكمال السلطات الدستورية، وإزالة التشكيك الذي تصاعد بسبب هيمنة الرئيس على السلطتين التنفيذية والتشريعية لوقت طويل.

ومع ذلك فإن المسار الذي اتخذته الاستعدادات لإجراء تلك الانتخابات كان واضحاً وكافياً لتوقع النتائج السلبية التي يبدو أنها آلت إليها.

فما الأسباب التي جعلت من اليسير توقع مثل تلك النتيجة السلبية، لبلد أراد أن يستكمل سلطاته الدستورية، ويكمل خريطة طريقه إلى المستقبل، بعد انتفاضتين؟

أول تلك الأسباب يكمن في أن هذه الانتخابات جرت بلا سياسة، بمعنى أن معظم المشاركين فيها سواء كانوا مرشحين أو ناخبين أتوا من موقف سياسي واحد تقريباً، وهو موقف تأييد النظام الحاكم، ومحاولة البحث عن سبل لمساعدته.

لم يقدم المرشحون رؤى متباينة بخصوص السياسات القائمة أو الأوضاع المستقبلية، ولم يجتهدوا في طرح برامج، أو اقتراح أفكار للتعامل مع المشكلات التي يعانيها المواطنون.

لم يكن هناك صراع بين اليمين واليسار، ولم يكن هناك خلاف على طريقة إصلاح التعليم، ولم تكن هناك فكرتان متعارضتان لإصلاح منظومة الصحة، أو طرق متباينة للتعامل مع أزمة الطاقة.

إنها انتخابات بلا سياسة، وقد اتضح هذا في أسماء القوائم المتنافسة، أو خبرات المرشحين، أو أنماط الدعاية، أو المحتوى السياسي الذي قدمه المتنافسون، حيث اتسم معظم هذا المحتوى بالسطحية، والشعاراتية، والتنافس على درجة التأييد والاصطفاف، والميل إلى البذاءة في أحيان عديدة.

أما السبب الثاني وراء ما وصلت إليه تلك الانتخابات، فيكمن في أن تلك الانتخابات جرت بلا آمال، فلم يكن هناك مرشح أو حزب أو قائمة يتحدث عن آمال طموحة يمكن تحقيقها في المستقبل القريب أو حتى على المدى المتوسط.

الجميع تحدث عن "تثبيت الدولة أو الحفاظ عليها"، وذلك أمر قد حدث بالفعل، أو تحدث عن "مقاومة الإرهاب"، وتلك معركة يبدو أن مصر في طريقها إلى حسمها باقتدار، أو تأييد القائد ومساندته، وهذا أمر يحدث كل دقيقة.

لم تكن هناك آمال يمكن أن تقنع المواطنين بالذهاب إلى الصناديق، ولم تكن هناك أيضاً مخاوف جادة يمكن للمواطنين أن يقتنعوا بأن ذهابهم إلى الانتخابات سيؤدي إلى دحرها.

فلم تنجح فزاعة "الإخوان" أو "السلفيين"، بعدما شعر المواطنون أن الدولة استطاعت أن تحجم مخاطرهم تحجيماً واضحاً، وقد ظهر لاحقاً أن الإسلام السياسي لم ينجح في المرحلة الأولى من الانتخابات في أن يكون رقماً صعباً أو أن يخوض معركة حقيقية.

لقد جرت تلك الانتخابات في أوقات عصيبة على الصعيد الاقتصادي؛ إذ فقد الجنيه المصري جزءاً كبيراً من قيمته في مواجهة الدولار الأميركي، وهو الأمر الذي يخلق ضغوطاً كبيرة على بلد تتسع الفجوة في ميزانه التجاري باطراد، ويعتمد على الاستيراد في توفير نحو 40% من احتياجاته الغذائية.

لم تظهر نتائج المشروعات الكبيرة التي وعد بها الرئيس السيسي بعد، وحتى مشروع قناة السويس الذي كان التعويل عليه كبيراً، لم ينتقل إلى مرحلة الاستثمار اللوجستي والصناعي والتكنولوجي بعد، ولم تنجح التفريعة الجديدة التي تم حفرها حتى الآن في زيادة العوائد التي اعتادت القناة على جلبها كل عام. يحدث ذلك بموازاة نقص حاد في العملة الصعبة بسبب تراجع إيرادات التصدير والسياحة، وهي أمور تسببت في هيمنة حالة من القلق وتراجع الآمال، وبالتالي أفقدت المشاركة في الانتخابات قدراً كبيراً من الذرائع الوجيهة.

أخفقت السلطات المعنية بتنظيم الانتخابات أيضاً في وضع قوانين سلسة وفعالة، وأدى الخلط بين نظامي الانتخاب الفردي و"القائمة المطلقة" إلى صعوبات في فهم العملية الانتخابية في مجتمع يعاني نحو 30% من أفراده الأمية، التي تنتشر خصوصاً بين كبار السن، وفي مناطق الريف، حيث مخزن التصويت الكبير.

من أبرز الأسباب التي عززت فكرة العزوف عن الانتخابات أيضاً أن قطاعات غالبة من الجمهور لم تكن تعرف من هم المرشحون، سواء كانوا أفراداً مستقلين أو حزبيين، أو كانوا أعضاء في قوائم.

وكان السؤال: "مش عارف أنتخب مين؟" أكثر العبارات ترديداً في مواكبة هذه الجولة من الانتخابات، وتلك طبعاً نتيجة مباشرة لإغلاق المجال السياسي، وتحزيم المجال العام، وسياسات الاغتيال المعنوي للقوى السياسية والرموز والنشطاء، وتفريغ الحياة الحزبية من معناها.

تلك الانتخابات جرس إنذار حقيقي، يجب أن يستمع إليه المصريون بانتباه واهتمام، لأنه ربما يشير إلى إعادة إنتاج الأوضاع التي سادت قبل انتفاضة يناير 2011، وهي أوضاع، كما نعلم جميعاً، أطاحت نظاماً، وأدخلت البلاد في سنوات خمس من الاضطراب والتحديات الجسام.

* كاتب مصري

back to top